والقليل عند الله الدنيا وما فيها من غضارتها وعيشتها ونعيمها وبهجتها؛ ذلك بأن الله هو علام الغيوب. قد علم بأن ركوب معصيته، وترك طاعته والمداهنة للظلمة في أمره ونهيه، إنما يلحق بالعلماء للرهبة والرغبة من عند غير الله، لأنهم علماء بالله، وبكتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
ولعمري لو لم يكن نال علماء الأزمنة من ظلمتها وأكابرها ومفسديها شدة وغلظة وعداوة ما وصاهم الله تعالى وحذرهم، ذلك أنهم ما ينالون ما عند الله بالهوينا ولا يخلدون في جنته بالشهوات.
فكره الله تعالى للعلماء - المستحفظين كتبه وسنته وأحكامه - ترك ما استحفظهم، رغبة في ثواب من دونه، ورهبة عقوبة غيره. وقد ميزكم الله تعالى حق تميز، ووسمكم سمة لا تخفى على ذي لب، وذلك حين قال لكم: ?والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله غزيز حكيم? [التوبة: 71].
فبدأ بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بفضيلة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عنده، وبمنزلة القائمين بذلك من عباده.
ولعمري لقد استفتح الآية في نعت المؤمنين بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاعتبروا عباد الله وانتفعوا بالموعظة.
وقال تعالى في الآخرين: ?والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف?[التوبة:67].
Page 68