وأما التخفيف فمن أين انعمرت الحصون وشحنت؟! وإلا فكان يقع من الخلل على الإسلام والمسلمين مالا ينجبر، لأن الحال توجب المطالبة لهم. فأما ضعف البلاد من قلة الأمطار فلسوء نياتهم, ومعرفة الباري تعالى بمصلحتهم, ووقعت الضرورة إلى قبض ما أمكن منهم على هذه الحالة، فإن وقع الإجماع من المسلمين فنحن نفعله إن شاء الله تعالى، والله قسما ما نقول ذلك استهزاء بل صدقا.
فأما الإعطاء من هذه الأموال والمنع في الكثرة والقلة، فلا شك أن أحوال الناس تختلف، فمنهم من يعلم أنه يسد مسد اثنين أو ثلاثة أو أربعة, بشرط أنه يعطى ما يأخذ اثنان أو ثلاثة أو أربعة، فأعطيناه هذا القدر وساغ لنا وهو مدين في أخذه، ومن علمنا أيضا من حاله أنه أن لم يعط القدر الذي نعطيه _مال _على المسلمين، وكان ضرره عليهم أكثر من ضرره في القدر الذي نعطيه.
فأما أفعال أهل البيت عليهم السلام في التزهد فليست توجب التحريم, مع أنا قد فعلنا أبلغ مما فعله المؤيد رضي الله عنه، لأنه أعطى ولده شيئا من بيت المال، ولم نعط أحدا من أولادنا قليلا ولا كثيرا، وهو الذي يمكننا التحكم فيه، ولو أمكننا أن المسلمين يجاهدون عن هذا الدين بغير دينار ولا درهم، ويحفظون هذه المعاقل التي للإسلام والمسلمين لما أخذنا دينارا ولا درهما، والله تعالى يعلم الصدق في ذلك والنية.
ثم بيان ذلك أن كل أمر أشكل على حضرته, أو ادعاه أحد من المسلمين، فيدعونا إلى حكم الله تعالى, فما وجب علينا بالشريعة النبوية أمضيناه والتزمنا به. فأما أنا نفعل في نفوسنا شيئا لم يدعه علينا مدع ولا اعتقدنا وجوبه، فهذا مما لا يعقل.
Page 72