--- وقوله بأنه يعود يأخذ العقوبة من أموال العشائر لا يلزمنا، لأنا إن علمنا ذلك منه عاقبناه ثانيا بوجوه التنكيل التي تجوز في حقه، وربما أدى ذلك إلى اجتياح ماله كما فعله علي عليه السلام، وعلى حسب الصلاح للإسلام والمسلمين يفعل، وبحسب ما أوجبه علينا رب العالمين نفعل، وقد تقع المعصية منه ونعلمها ولا نعاقبه عليها، بل نقبل توبته, وذلك يختلف بحسب الأفعال التي تعد معاصي لله عز وجل، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بالعقوبة تارة, وتارة قبل توبة الوالي بغير عقوبة، وهي أمور شرعية ينبغي مراعاتها, ولا يجب التسوية بينها ولا التفريط في إجرائها وإنفاذها، وقد يكون في الناس من هو وكيل على قبض الشيء المأخوذ المعين، لأنه يكون إليه شيء من الأمر غير مجرد القبض، لما قد عرف وعين، فلا تكون منزلته منزلة الوالي الذي له يد على غيره، لأن توكيل الفاسق جائز في ماله التصرف فيه، وكذلك الكافر, فبين الأمرين فرق، وولاتنا الذين لهم التصرف على غيرهم بما يرونه صلاحا وبما يرجعون في كثير منه إلينا، وسائره بولايتنا, كلهم ظاهره الدين والكفاية، ولا نعلم منه خيانة ولا جناية في الظاهر، وليس لنا إلا ذلك.
فأما وكلاء القبض الذين ذكرناهم، فلو كان بعضهم عاصيا فلا يلزمنا حكمه, ولا يرجع إلينا أمره، وإنما أمره إلى ربه يفعل به ما يشاء، ولو قدرنا أن يكون جميع الخلق مؤمنين, لما فرطنا في ذلك بشهادة رب العالمين، ولكن فقد قال وهو أحكم الحاكمين { وما أكثر الناس ولو حرص بمؤمنين } ,وقال لنبيه عليه السلام: { لعلك ياخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } , فالعذر في ذلك قد وقع لنا من رب العالمين.
Page 59