وبعد ذلك فقد تحققنا ما ذكرته أبقاك الله في عنوان كتابك,من مناصحتك وحسن قصدك, وصلاح نيتك، وقديم مودتك, وما ذكرته في أثناء كتابك من مخافتك من الله عز وجل في مودتنا وكثرة التعمق في محبتنا، لما التبس عليك من أمرنا, وأشكل عليك من غوامض أحكامنا, وما جرت عليه سيرتنا، وقد كنت عندنا بعيدا من التقصير, غنيا عن التنبيه والتبصير، ولم نكن نظن أنه يشكل عليك من الأمر ما أشكل, ولا أنه يلتبس على مثلك ما التبس، وذلك لما نعرفه من حسن رؤيتك, وحدة نظرك, وكثرة نصيحتك ومعونتك، وقد عجبنا من أمرك!! وكيف خفي عليك ما كنا نظن أنك أعرف به من غيرك؟! حتى أدى إلى إفساد ما ذكرت من مودتك لنا ومحبتك، وقد ميزت بين حقك علينا وجفائك لنا، فرجح عندنا حقك, بعواطف الرعاية لمثلك، وتذكر قديم المعاونة منك, والمحبة التي كانت لنا لديك، فرأينا إنصافك وإتحافك، وأن نطرح المكافأة على كل جفاء, ونعمل لله تعالى بالوفاء، ولم نعتب شيئا من النصائح الجارية من المسلمين، وإنما عتبنا ما يقع من المبادرة بالقطع على غير يقين، وقد جعل الله تعالى واسطة بين أن يقطع المرء في أخيه على الإيمان، أو على الفسق والعدوان، وهي التوقف والتحري، فهو أولى من القطع على التفسيق والتبري.
والآن نجيبك فيما ذكرت, ونسامحك في كثير مما صدرت، ولسنا ممن إذا قيل له: اتق الله أخذته العزة بالإثم، ولكنا نجيب أهل الفضل والعلم، ونتردى برداء الكرم والحلم.
Page 46