--- فأما أمير المؤمنين عليه السلام فإنه ولى أبا موسى الأشعري وهو يشير إليه بالخيانة، ويظهر أنه ممن يموه على المسلمين بالتعمق في الديانة، وكذلك زياد بن أبيه وغيرهما، ويكفى المستبصر ما ذكره عليه السلام عند صفة أصحابه من قوله:(( يا أشباه الرجال ولا رجال )) إلى أن انتهى إلى آخر كلامه فقال: (( لو ائتمنت أحدكم على قعب، لخشيت أن يذهب بعلاقته )) أتراه أيها المعترض ولا هم مع اعتقاده لخيانتهم ؟! وهو الناطق بالحق، والمتولي للبيان في ذلك الأوان ؟! أو ترك ولايتهم حتى ضاعت الأقطار, واستبيحت الثغور وعفت من الدين الآثار؟!
فإن قلت: بالأول، فهو الذي قصدناه في معنى الوكالة، وإن قلت بالثاني، فهو مما علم أنه لم يقع، حتى قبض سلام الله عليه ورضوانه, على أن من قاس الأمر بالأمر علم أنه عليه السلام كان في القرن الثاني والثالث من الذين قال فيهم نبينا صلى الله عليه وآله: خيركم القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم, ثم الدين يلونهم )) فإذا كان الأمر في أهل زمانه عليه السلام مع قربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله, وكونهم خير الأمة هكذا، فكيف يكون حال أهل زماننا الذين هم حثالة التمر, ونفاضة العلم؟! فإذا اضطر عليه السلام إلى ولايتهم, والاستعانة بهم, وهم على تلك الصفة, لئلا يبطل الجمهور من أمور الدين، فنحن كذلك أيضا.
وأما الثالث وهو المتفجع فإنه قرى وما درى, وجهل أحكام الولاء والبراء، والله تعالى يقول لنبيه نوح عليه السلام لما عطفته على ولده عواطف الرحم والرحمة, عند همول سحائب العذاب والنقمة: { يا نوح أنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح } هلا رجعت عن أبعد الصحابة, كما رجع نوح عن أقرب القرابة، وعلمت أن حق الله أولى بالرعاية, ودينه أحق بالذب والحماية, على أن هذا طعن في السيرة وقد قال بالإمامة, أو تعرض أن أصولها بعيدة عن السلامة, قريبة من السلامة.
Page 27