ولا يقال: يلزمكم أيضًا تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ فإن من شهد معه الإحرام بذي الحليفة كانوا أكثر ممن أمرهم بالقطع في المدينة، ولم يأمرهم بوجوب القطع في تلك الحال مع وجوبه عليهم وحاجتهم إلى بيانه لهم.
﴿لأنا نقول﴾ (١): من سمع منه القطع بالمدينة وجب عليه العمل به، ومن لم يسمعه لم يتعلق به حكم القطع أصلًا؛ لأن من شرط الوجوب على المكلف علمه بالأمر من المكلف به، فمن لم يبلغه الأمر بالقطع كيف يقال يجب عليه العمل به، بل النبي ﷺ أمرنا بالقطع جوابًا لسائل سأله بالمدينة، فلما كان بعرفات خطب الناس وأباح لهم لبس الخفين ولم يأمرهم بالقطع، فدل على أنه رخص لهم في ذلك مطلقًا من غير تقييد، إذ لو كان القطع واجبًا لتعين بيانه لمن لم يسمع الخبر الأول بالمدينة، بل إنما سمع هذا الخبر الثاني المقتضي للجواز من غير تقييد، والجمع الذي حضر معه بعرفات وسمع الرخصة أضعاف أضعاف من سمع الخبر الأول المقتضي للقطع، فلو كان القطع والحالة هذه ثابتًا لتعين بيانه، ولما جاز إهماله، والله أعلم (٢).
آخره والحمد لله وحده (٣).