Recueil de fatwas

Ibn Taymiyya d. 728 AH
62

Recueil de fatwas

مجموع الفتاوى

Maison d'édition

مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف-المدينة المنورة

Lieu d'édition

السعودية

خَلْقٌ كَثِيرٌ. وَهُمْ لَا يَهِنُونَ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْكَثْرَةِ مُنَاسِبًا لِأَنَّ مَنْ قُتِلَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ كَثِيرٌ وَقَتْلُ الْكَثِيرِ مِنْ الْجِنْسِ يَقْتَضِي الْوَهَنَ فَمَا وَهَنُوا وَإِنْ كَانُوا كَثِيرِينَ وَلَوْ وَهَنُوا دَلَّ عَلَى ضَعْفِ إيمَانِهِمْ وَلَمْ يَقُلْ هُنَا: وَلَمْ يَنْقَلِبُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ نَبِيَّهُمْ قُتِلَ لَقَالَ فَانْقَلَبُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ إذَا مَاتَ النَّبِيُّ أَوْ قُتِلَ فَأَنْكَرَ سُبْحَانَهُ شَيْئَيْنِ: الِارْتِدَادَ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ وَالْوَهْنَ وَالضَّعْفَ وَالِاسْتِكَانَةَ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ اسْتِيلَاءِ الْعَدُوِّ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ﴾ إلَخْ. وَلَمْ يَقُلْ: فَمَا وَهَنُوا لِقَتْلِ النَّبِيِّ وَلَوْ قُتِلَ وَهُمْ أَحْيَاءٌ لَذَكَرَ مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ: ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا يُصِيبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي عَامَّةِ الْغَزَوَاتِ لَا يَكُونُ قَتْلَ نَبِيٍّ. وَأَيْضًا فَكَوْنُ النَّبِيِّ قَاتَلَ مَعَهُ أَوْ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ: لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ مَعَهُمْ فِي الْغَزَاةِ بَلْ كُلُّ مَنْ اتَّبَعَ النَّبِيَّ وَقَاتَلَ عَلَى دِينِهِ فَقَدْ قَاتَلَ مَعَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ قُتِلَ عَلَى دِينِهِ فَقَدْ قُتِلَ مَعَهُ وَهَذَا الَّذِي فَهِمَ الصَّحَابَةُ؛ فَإِنَّ أَعْظَمَ قِتَالِهِمْ كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ﷺ حَتَّى فَتَحُوا الْبِلَادَ شَامًا وَمِصْرًا وَعِرَاقًا ويمنا وَعَرَبًا وَعَجَمًا وَرُومًا وَمَغْرِبًا وَمَشْرِقًا وَحِينَئِذٍ فَظَهَرَ كَثْرَةُ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ فَإِنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوا وَأُصِيبُوا وَهُمْ عَلَى دِينِ الْأَنْبِيَاءِ كَثِيرُونَ وَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عِبْرَةٌ لِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ يُقَاتِلُونَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ يَغْزُونَ فِي السَّرَايَا وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُمْ: كَانُوا مَعَهُ يُقَاتِلُونَ وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي قَوْلِهِ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ الْآيَةَ وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا

1 / 60