Le Majmouc
المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
Genres
والنظر في إمضاء الأمور وتركها إلى الإمام فإن تقوى نظره على إمضاء الأحكام أمضاها، وإن أداه نظره إلى ترك ذلك تركه، حتى إذا كان مقاوما للعدو كف عن إقامة الحدود مخافة فتق لا يمكن إصلاحه، فالنظر إليه في فعل ما يجوز فعله على وجه، وترك ما يجوز تركه على وجه، وللدين أصول يرجع إليها، وإذا نظر بعض الناس من الأمة نظرا -وإن كان الناظر صالحا- لم يلزم الإمام فعله ولا نظره، وإذا نظر الإمام نظرا له وجه في الدين ومذهب في النظر كان على الكل قبوله والرضى به والاعتماد عليه، قال الله تعالى : ?وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا?[الأحزاب:36]، وهذا فيما تكره القلوب، وتنفر عنه النفوس؛ لأن الآية الشريفة قضت أن اختيار العباد كان واقعا على غير قضاء الله ورسوله ولكن اختياره خير من اختيار عباده، ولولا علم الله سبحانه أن في شدة الوطأة على أعدائه بالقتل والسبي والصلب والسلب صلاحا في الدين وقوة للمسلمين، لما قرت بذلك أحكامه، وجرت أوامره، وليس ما يخاف من تعد الفراعنة يمنع من إمضاء أحكام الأنبياء، ولو كان ذلك مانعا لما جرت الأحكام، وقد ظهر من أهل التمييز والنظر أن سبينا للكفرة قطع ظهور المجرمين، وأعلى كلمة الدين، وفرق شمل العادين وإن لم تمض الأحكام فمن يقوم بإمضائها، ومن يقدر على إجرائها، وينهض بأعبائها، إلا من ملكه الله سبحانه أزمة الأمر، وجعل إليه العقوبة والزجر، وقد كان رسول الله في أيامه أحوج الخلق فيما يقتضي به نظر المكلفين إلى تألف العرب وإدنائها بدفع السبا عنها؛ فرفع صلى الله عليه وآله وسلم السبا عن بعض، وسبى بعضا، وكل فعله إنما هو عن الله تعالى، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم أطبقت العرب على عنادهم وحربهم، ورميهم عن قوس واحدة؛ فلم يمنعهم ذلك من إجراء السبي عليهم، وإنفاذ حكم الله تعالى فيهم.
Page 113