Majmu'at al-Rasa'il al-Kubra li Ibn Taymiyyah
مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية
Maison d'édition
دار إحياء التراث العربي
Lieu d'édition
بيروت
Genres
فلا يعملون إلا ما أمرهم هو أن يعملوا به فهم مطيعون لأمره سبحانه وقد وصف سبحانه بذلك ملائكة النار فقال: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) وقد ظن بعضهم أن هذا توكيد وقال بعضهم: بل لا يعصونه في الماضي ويفعلون ما أمروا به في المستقبل، وأحسن من هذا وهذا أن العاصي هو الممتنع من طاعة الأمر مع قدرته على الامتثال، فلولم يفعل ما أمر به لعجزه لم يكن عاصياً فإذا قال: لا يعصون الله ما أمرهم. لم يكن في هذا بيان أنهم يفعلون ما يؤمرون، فإن العاجز ليس بعاص. ولا فاعل لما أمر به فقال: ويفعلون ما يؤمرون، ليبين أنهم قادرون على فعل ما أمروا به فهم لا يتركونه لا عجزاً ولا معصية، والمأمور إنما يترك ما أمر به لأحد هذين. إما أن لا يكون قادراً وإما أن يكون عاصياً لا يريد الطاعة، فإذا كان مطيعاً يريد طاعة الأمر وهو قادر وجب وجود فعل ما أمر به، فكذلك الملائكة المذكورون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وقد وصف الملائكة بأنهم: (عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين).
فالملائكة مصدقون بخبر ربهم، مطيعون لأمره ولا يخبرون حتى يخبر ولا يعملون حتى يأمر كما قال تعالى: (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون). وقد أمر الله المؤمنين أن يكونوا مع الله ورسوله كذلك فإن البشر لم يسمعوا كلام الله منه، بل بينهم وبينه رسول من البشر فعليهم أن لا يقولوا حتى يقول الرسول ما بلغهم عن الله ولا يعملون إلا بما أمرهم به كما قال تعالى:
46