Majmac Fawaid
مجمع الفوائد
Genres
الجواب عن السؤال الأول وهو في موضوع صلاة الجمعة. فأقول والله تعالى الموفق للصواب وسلوك منهج السنة والكتاب: لاشك أن صلاة الجمعة شأنها عظيم وخطرها في الإسلام جسيم. وأن الآية في وجوب السعي إلى ذكر الله تعالى، وكذا الأخبار النبوية نصوص معلومة، ولكن حكمها حكم سائر ما افترضه الله تعالى في القرآن الحكيم من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها، مما وردت مطلقات ومجملات وعامات، وبين مجملها وقيد مطلقها وخصص عامها، وأوضح شرائطها وكيفية أدائها على لسان رسوله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كما قال جل جلاله: ((لتبين للناس ما نزل إليهم))، ومن المعلوم المجمع عليه المسلم به أنه يقبل البيان للمجملات، والتقييد للمطلقات، والشروط في المشروطات، والتعيين للمحتملات ولو بأخبار الآحاد الصحيحات كما في أوقات الصلوات دخولا وخروجا وجهة القبلة والطهارة ولزوم النية والتسمية والمضمضة والاستنشاق وأنصباء الزكاة وسقوطها في المال الذي لم يكمل فيه النصاب كالذهب والفضة مثلا مع وجوبها في الأموال بنص القرآن على العموم وغير ذلك مما لايحصر، فكيف إذا ورد البيان بنصوص الكتاب العزيز والسنة المطهرة الصحيحة الصريحة، فما بال هذا النص في الجمعة لايجوز تقييده ولاتبيينه ولاتخصيصه؟ لاشك أن ثمة هوى من البعض وعدم إمعان النظر أو الاغترار من البعض الآخر، إذا تقرر هذا.فأقول: هذا النص الظاهر القرآني بوجوب السعي إلى ذكر الله تعالى وكذا غيره من الأخبار مقيد بالنصوص القرآنية الكثيرة كقوله عز وجل: ((وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين)) [الأنعام:28]، فحرم سبحانه القعود مع الظالمين تحريما عاما مطلقا فلايخص إلا بدليل صحيح واضح، فهنا عمومان يمكن تخصيص كل منهما بالآخر فيرجع إلى الترجيح فآية النهي وغيرها من الآيات الآتية تقتضي الحضر والتحريم والعمل بالحاضر أرجح بالإتفاق والآيات القاضية بالتحريم مع ذلك، والأخبار أكثر وأقوى وأصرح فهي أرجح، أما إذا خاض الخطيب أو الإمام أو غيرهما فيما لايجوز كمدح الظلمة كما لايخلو في الغالب والدعاء لهم وكالجبر والتشبيه أحيانا فالذنب أعظم وأطم. وقد قال تعالى: ((وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم)) [النساء:129] ومفهوم قوله: ((حتى يخوضوا في حديث غيره)) مقيد بالتوبة للآية الأولى وغيرها أو يكون القعود للتبليغ أو نحوه، هذا والله تعالى يقول في الآية نفسها: ((فاسعوا إلى ذكر الله)) ولم يقل إلى معصية الله تعالى وسبه بنسبة القبائح إليه والكذب عليه والمدح لأعدائه وقد ورد: ((إذا مدح الظالم اهتز عرش الله)) أو كما قال وفي الخبر الصحيح: ((لايحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل)) وفي بعض: أو تنصرف. وأيضا في الحضور مع الظلمة إظهار المودة لهم والتولي والمعاونة لهم على طغيانهم والركون إليهم، هذا معلوم لاريب فيه، ولذا تراهم يحرصون على حضور جمعهم ويعاقبون على التخلف عنها والله عز وجل يقول: ((لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون)) آخر آية المجادلة. ويقول تعالى: ((ومن يتولهم منكم فإنه منهم)) [المائده:51] الآيات. ويقول تعالى: ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)) [المائدة:2]، ويقول جل وعلا: ((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون)) [هود:113]، والركون: هو الميل اليسير، وقد قال تعالى: ((لا ينال عهدي الظالمين)) [البقره:124]، ولو أوجب الحضور معهم مع مافيه من الميل إليهم وتقوية سلطانهم لكان من العهد.
وأما السنة فكثير كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لايؤمنكم ذو خزبة في دينه)) . أخرجه في أمالي أحمد بن عيسى عليهما السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام والهادي إلى الحق والمؤيد بالله وأبو طالب وأحمد بن سليمان عليهم السلام وهو في الجامع الكافي، والخزبة: شبه الخدش وهو النقص. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لايؤمن مؤمنا فاجر ولايصل مؤمن خلف فاجر)) أخرجه في أمالي الإمام أحمد بن عيسى عليهما السلام وهو في الجامع الكافي وأصول الأحكام .
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لايؤمن فاجر مؤمنا إلا أن يخاف سيفه أو سوطه)) . أخرجه المؤيد بالله وقال: في ذلك تصريح بالنهي عن الصلاة خلف الفاجر والنهي يقتضي فساد المنهي عنه على أنه إجماع أهل البيت عليهم السلام ولا أعلم فيه منهم خلافا. انتهى كلامه عليه السلام.
Page 358