وجوب الصلاح والأصلح ومن قواعدهم أن الرؤية بأشعة تتصل بالمرئي أخذوا منه أن الله لا يرى ومنها تأثير العقول أخذوا منه أن العباد يخلقون أفعالهم الاختيارية وكل ذلك باطل مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة كما هو مقرر في محله أن علماء الإسلام ما صنفوا كتب القواعد ليثبتوا في أنفسهم العلم بالله تعالى وإنما وضعوا ذلك ردعًا وسلم بالخصوص وإعادة الأجسام بعد الموت ونحو ذلك مما لا يصدر إلا من كافر فطلب علماء الإسلام إقامة الأدلة على هؤلاء ليرجعوا إلى اعتقاد وجوب الإيمان بذلك فكان البرهان عندهم كالمعجزة التي ينساقون بها إلى دين الإسلام.
الأدلة على وجود الصانع وتوحيده تجري مجرى الأدوية التي يعالج بها مرض القلوب والطبيب أن لم يكن حاذقًا مستعملًا للأدوية على قدر قوة الطبيعة وضعها كان إفساده أكثر من إصلاحه كذلك الإرشاد بالأدلة إلى الهداية إذا لم يكن على قدر إدراك العقول كان الإفساد للعقائد بالأدلة أكثر من إصلاحها وحينئذ يجب أن لا يكون طريق الإرشاد لكل أحد على وتيرة واحدة فإن الناس تتفاوت بحسب مراتبهم واستعدادهم.
فمن آمن بالله وصدق الرسول واعتقد الحق وأضمره واشتغل بعبادة أو صناعة فلا ينبغي أن تحرك عقيدته بتحرير الأدلة فإنه ﵊ لم يطالب العرب في مخاطبته أياهم بأكثر من التصديق ولم يفرق بين أن يكون ذلك بإيمان وعقد تقليدي أو يقين برهاني وغير المؤمن الجافي الغليظ الضعيف العقل الجامد على التقليد المصر على الباطل لا تنفع معه الحجة والبرهان وإنما ينفع معه السيف والسنان إن كثير من الكفرة أسلم تحت ظلال السيوف ومن استقرأ التاريخ لم يصادف ملحمة بين المسلمين والكفار إلا انكشفت عن جماعة من أهل الكفر مالوا إلى الانقياد. وأما الشاكون الذين فيهم نوع الذكاء ولا تصل عقولهم إلى فهم البرهان العقلي فينبغي أن يتلطف في معالجتهم بما أمكن من الكلام المقنع المقبول عندهم بالأدلة البرهانية لقصور عقولهم عن إدراكها.
وأما الفطن الذكي لا يقنعه الكلام الخطابي فتجب المحاجة معه بالدليل القطعي البرهاني فقد تبين أن أقسام الخلق أربعة وكل منهم له مرتبة في طريق الإرشاد يخاطب بحسبها فيما يناسب حالة فلا ينبغي أن يساوي بين الناس بالخطاب بالإرشاد كما هو دأب أهل التعصب الذين نصبوا للناس شرك التزلزل في عقائدهم ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير
1 / 4