Maintaining the Blessing of Security and Stability
متطلبات المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار
Maison d'édition
-
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤١٨هـ - ١٩٩٧م
Genres
[تقديم معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري]
متطلبات المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار تقديم بقلم معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين،، وبعد: - فقد طلب إلي الأخ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الحقيل أن أقدم لمؤلفه القيم (متطلبات المحافظة على نعمة الأمن)، وأن أعطي رأيي فيه فقدرت أن الأخ سليمان قد اختار لمؤلفه موضوعا هاما لا تأمن الحياة وتنمو وتتطور إلا به وبنعمته، ألا وهو الأمن. فأغراني هذا الاختيار أن أقرأ الكتاب لعلي أضيف إلى معلوماتي عن الأمن واهتمامي به شيئا جديدا.
فمجتمع غير آمن على نفسه ومسجده وبيته وأولاده ومصدر رزقه ومدرسته، لا تستطيع التصورات والكلمات أن تصف لقارئ آمن على هذه الفضائل الكبرى والنعم ما عليه هذا المجتمع الآخر الذي فقد أمنه واستقراره، من معاناة وخوف وقلق ورعب جعلوا حياته عرضة للوحوش الكاسرة.
مثل هذا الواقع عاشه المواطن في هذا البلد الآمن في الماضي وعاشه حاج البلاد العربية والإسلامية، قبل الدولة السعودية، فلنا تجربة مع الأمن موسعة بحكم مقدسات المسلمين التي تهفوا إليها قلوب المسلمين في الأرض جميعهم.
هذه التجربة مكانها في بطون التاريخ، وصفها من شهدها وعاناها وصفا تشمئز منه النفوس قبل الدولة السعودية. ومن أراد الاطلاع عليها فليراجع كتاب المؤرخ المصري الجبرتي عجائب الآثار في التراجم والأخبار، أو ليراجع كتاب المؤرخ الدمشقي أحمد البديري حوادث دمشق اليومية، أو يراجع قصيدة أحمد شوقي " ضج الحجيج " في ديوانه والتي مطلعها:
ضج الحجاز وضج البيت والحرم ... واستصرخت ربها في مكة الأمم
أفي الضحى، وعيون الجند ناظرة ... تسبى النساء ويؤذى الأهل والحشم
ويسفك الدم في أرض مقدسة ... وتستباح بها الأعراض والحرم
!! وكذا يراجع كل ما كتب عن فقدان الأمن في الجزيرة العربية لمؤرخين سعوديين، وغير سعوديين.
وليترحم على الملك عبد العزيز ﵀ فلقد كان الذراع القوية في الحق، التي وضعت أخيرا حدا لتلك الفوضى التي تكدر الأمن، وتقطع الطرق، وتخيف ابن السبيل، فالملك عبد العزيز- غفر الله له - هو ابن الدولة السعودية الأولى والثانية وموحد الدولة الثالثة. وقاطع يد اللصوصية بالأمن والعدل وتطبيق الشريعة الإسلامية.
ومما أثار عندي تساؤلات كثيرة: كيف كانت رؤية الأخ سليمان للسبل الكثيرة التي تلتقي عند نعمة الأمن؟ ولأول وهلة قابلني مؤلف هذا الكتاب بالجواب عن تساؤلاتي، وهو ظاعن وراء تجربة الإنسان مع الأمن والخوف في شبه الجزيرة العربية. وكان قلمه في ظعنه مدلجا وراء شواهد وحقائق من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة كلها تلتقي عند نعمة الأمن وفضائله.
ولا أتصور أن إنسانا سيقرأ هذا الكتاب إلا ويحمد الله على هذه النعم الكبرى التي تعيشها بلادنا اليوم، أمنا ورخاء ووحدة آخت بين المسلمين على شريعة الله. ومن البدهيات أن حياة دون أمن تحسب على الضياع والآفات الخلقية والاجتماعية، ولا يعرف فضائل الأمن ويدركها غير من اكتوى بنار الفوضى والرعب. ومع الأسف أننا نرى كثيرا من الشعوب تصاب بفقدان الذاكرة وتنسى نعمة الأمن، فلا تستيقظ عليها إلا بعد أن تدمر ذاتها وتظل متحسرة على ما جنت يداها بعد فوات الأوان!
ومن هنا رأينا المؤلف يركز على نعمة الأمن التي يعيشها المجتمع السعودي اليوم. ولا شك أن الكتاب تعليمي وتثقيفي بل وتذكير وتنبيه من الغفلة عن نعمة الأمن وتفيؤ ظلالها بالشكر والحمد.
شاكرا لأخي سليمان حسن ظنه بي، راجيا له التوفيق ومزيدا من العطاء.
والله ولي التوفيق والهادي إلى سبل الخير،، عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري
Page inconnue
[المقدمة]
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: ففي هذا العالم الذي يموج بالفتن والقلاقل وتجتاحه الحروب والمجاعات، وتتهدد الإنسانية فيه مخاوف الجوع واليأس والقلق، تعيش المملكة العربية السعودية في عهد رخاء وأمن واستقرار، وتقدم يشهد به كل منصف.
وكما هو معروف تاريخيا فإن بلادنا قبل أن يوحدها المصلح العظيم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - كانت مسبعة بشرية، ممزقة سياسيا وجغرافيا واجتماعيا، وأمنيا، عاش الناس فيها غير آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، حتى شاء الله - جل وعلا - أن تتوحد بلادنا على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - وتصبح واحة آمنة.
لقد كان توطيد الأمن وتثبيته من أول الأمور التي اهتم بها الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - منذ ولي هذه البلاد، يقول ﵀ في هذا الصدد: " إن البلاد لا يصلحها غير الأمن والسكون؛ لذلك طلب من الجميع أن يخلدوا للراحة والطمأنينة، وإني أحذر الجميع من نزعات الشياطين والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنه إفساد الأمن في هذه الديار، فإنني لا أراعي في هذا الباب صغيرا ولا كبيرا، وليحذر كل إنسان
1 / 5
أن تكون العبرة فيه لغيره " (١) ويقول أيضا: " لقد أمنت الطريق، وضربت على يد الظالم، وأقمت شرع الله في جميع أنحاء المملكة " (٢) ويقول " إنني قطعت دابر الأشقياء والمفسدين وحقنت دماء أهلية، وبسطت أروقة الراحة وساد الأمن في الحجاز " (٣) .
وكما اهتم الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - بأمن واستقرار بلادنا، فقد اهتم أبناؤه من بعده بالأمن والاستقرار وطوروا أجهزة الأمن بما يتفق وذاتية الأمة أولا وروح العصر، ثانيا حتى أصبحت المملكة العربية السعودية بفضل الله وكرمه واحة أمن وارفة الظلال يشهد بقوة الأمن فيها العدو قبل الصديق.
لقد امتد الأمن ليشمل جميع مظاهر الحياة في المجتمع السعودي المسلم، لقد استطاعت بلادنا بفضل الله ثم بفضل هذا الأمن والاستقرار الذي تحقق على أيدي ولاة أمرها، أن توجه إمكانياتها الهائلة إلى البناء الشامل للإنسان السعودي.
ويبقى السؤال الكبير وهو: كيف نحافظ على نعمة الأمن والاستقرار التي نعيشها، والتي يحاول الحاقدون الحاسدون والغابطون سلبنا إياها؟
محتويات هذا الكتاب والتي تتضمن خمسة عشر مطلبا من مطالب المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار في بلادنا محاولة جادة للإجابة بصدق وأمانة على السؤال آنف الذكر.
_________
(١) خير الدين الزركلي، شبه جريرة العرب في عهد الملك عبد العزيز ج ١، بيروت، ١٣٩٠هـ، ص ٣٥١.
(٢) محيى الدين القابسي، المصحف والسيف، الرياض، المطابع الأهلية، بدون تاريخ، ص ١١١.
(٣) نفس المصدر السابق.
1 / 6
أرجو من الله جل وعلا أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، كما أرجو أن أكون بهذا الجهد قد ساهمت بما يجب المساهمة به في هذه الظروف في سبيل توعية المواطن السعودي بشكل عام والشباب بشكل خاص بما يجب عليهم في سبيل المحافظة على أمن واستقرار بلادهم، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الحقيل
[المطلب الأول التمسك بتطبيق الشريعة الإسلامية والمحافظة على مقاصدها] وإقامة حدودها
1 / 7
المطلب الأول
التمسك بتطبيق الشريعة الإسلامية
والمحافظة على مقاصدها وإقامة حدودها
وعدم الالتفات لما يثار من شبهات حول تطبيقها
باسم حقوق الإنسان
1 / 9
من أهم الضمانات اللازمة للمحافظة على نعمة الأمن والاستقرار التي نعيشها التمسك بتطبيق الشريعة الإسلامية، والمحافظة على مقاصدها وتطبيق حدودها.
لقد كان تطبيق الشريعة الإسلامية والمحافظة على مقاصدها هو العامل الحاسم الذي اعتمد عليه الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - في تحقيق وحدة هذه البلاد، وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار فيها، ونحن نرى أن هذا العامل كان وما زال وسيبقى هو العامل الحاسم، وأنه هو أساس الأسس التي يقام عليها نظام الحكم في المملكة العربية السعودية.
ونود أن نوضح هنا أن بعض مأجوري الأقلام ومحترفي الإشاعات يتهموننا بالقسوة في المملكة العربية السعودية؛ لأننا نرجم الزاني المحصن ونجلد الزاني غير المحصن، ونقتل القاتل عمدا، ونقطع يد السارق متى انطبقت عليه الشروط، ونطبق على البغاة والمفسدين في الأرض أحكام الله. . وفات مأجوري الأقلام ومحترفي الإشاعات أن ما نعمله هو تنفيذ لأمر الله الذي خلق الخلق وهو ﷾ أعلم وأدرى بمصالحهم، وبسبب المحافظة على مقاصد الشريعة؛ عشنا فيما نحن فيه من أمن واستقرار وتقدم ورخاء، وفات هؤلاء أن ما تعانيه كثير من الأمم الشرقية والغربية من مشكلات الأمن والقلق الاجتماعي والضائقة الاقتصادية ناتج من عدم تطبيقها لشريعة الله.
إن على كل مواطن سعودي أن يكون على حذر من الأفكار الشريرة التي يبثها أعداء الشريعة باسم حقوق الإنسان، وليدرك المواطن السعودي أن
1 / 11
هذا البلد لم يُكتب له النصر والرخاء والاستقرار إلا في ظل شريعة الإسلام.
وعلينا أن نوضح لأبنائنا أن الإسلام عندما شرع إقامة الحدود على المجرمين كان يقصد الحفاظ على النفس والمال والعرْض والعقل والحفاظ على الدين أولا وآخرا.
ففي سبيل حفظ الدين حرّم الإسلام الردة، وهي الكفر بعد الإسلام، وجعل القتل عقوبة لكل مرتد معاند؛ حيث قال رسول الله ﷺ «من بدل دينه فاقتلوه» (١) حتى يكون الردع كاملا وحاسما عند تبديل الدين الإسلامي وإضاعته.
وفي سبيل حفظ النفس حرم الله القتل وسفك الدماء وتوعد أشد الوعيد مَنْ يفعل ذلك بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٣] (٢) . والقتل كبيرة من الكبائر وهو أحد السبع الموبقات المهلكات، قال رسول الله ﷺ «اجتنبوا السبع الموبقات»، وذكر فيها قتل النفس التي حَرّم اللهُ إلا بالحق. . وقال ﷺ «لا ترجعوا بعدي كفارا يضربُ بعضُكم رقابَ بعض» .
وفي سبيل حفظ الأنساب حَرم الله الزنا بقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا﴾ [الإسراء: ٣٢] (٣) ويقول تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٢] (٤) .
وفي سبيل حفظ الأعراض من الوقيعة فيها حَرّم الله قذف الأبرياء بالزنا، وتوعّد على ذلك بأشد الوعيد، قال جلّ من قائل: ١٣ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور: ٢٣ - ٢٤] (٥) .
ويقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٤ - ٥] (٦) .
وفي سبيل حفظ العقول حرم اللهُ كُل مسكر وكل مخدر وكل مفترّ، كالخمر والمخدرات بأنواعها، قال تعالى. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: ٩٠] (٧) .
ومن هنا حافظَ الإسلام على العقل، جوهرة الحياة والمنظم لحركتها، فكيف نعطى النعمةَ ونحاولُ بالخمر تعطيلها!؟ .
وفي سبيل حفظ المال حُرمت السرقةُ، يقول تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٨] (٨) .
إذا فإن إقامة الحدود هي الأمن على الدين والنفس والعقل والنسب والمال والعِرْض، فهل تستطيع القوانينُ الوضعية أن تحقق شيئا من هذا للناس؟ هل السجنُ والغراماتُ استطاعت أن تحقق ما حققته حدودُ الله للبشرية؟ فننظر إلى حال دولة لا تطبق ولا تقيم حدود الله، لا وازع ولا رادع، نهب وسلب، واعتداء على المال والعِرْض دون مبالاة، ودولة تطبق حدود الله فإنما تعيش في أمن وسلام واستقرار.
من هنا فأي وحشية في تطبيق حدود الله؟ وأي همجية وأين تكون الوحشية والهمجية؟ عندنا أم حيث لا تطبق الحدود الشرعية؟
_________
(١) رواه البخاري.
(٢) سورة النساء آية: ٩٣.
(٣) سورة الإسراء الآية: ٣٢.
(٤) سورة النور الآية: ٢.
(٥) سورة النور الآيتان: ٢٣ - ٢٤.
(٦) سورة النور الآيتان: ٤، ٥.
(٧) سورة المائدة الآية: ٩٠.
(٨) سورة المائدة الآية: ٣٨.
1 / 12
[المطلب الثاني السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف]
المطلب الثاني
السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف
1 / 15
السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف " أصل من أصول الواجبات الدينية حتى أدرجها الأئمة في جملة العقائد الإيمانية " (١) .
وقد تواترت النصوص القطعية من الكتاب والسنة على تأكيد وضرورة طاعة ولاة الأمر في المعروف ولزومها، والسبب في ذلك كما يقول الإمام النووي: اجتماع كلمة المسلمين، فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم (٢) قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] (٣) .
قال شيخ الإسلام ﵀ " نزلت هذه الآية في الرعية من الجيوش وغيرهم، عليهم أن يطيعوا ولاة الأمر الفاعلين في ذلك في قسمهم، ومغازيهم، وغير ذلك، إلا أن يأمروا بمعصية الله، فإذا أمروا بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " (٤) .
وقد ورد العديد من الأحاديث الشريفة التي تبين أن طاعة ولاة الأمر لازمة، وهي فريضة في المعروف، ومن هذه الأحاديث ما يلي:
١ - عن عُبَادة بن الصامت ﵁ قال: «دعانا رسول الله ﷺ، فبايعنا، وكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة، في مكرهنا ومنشطنا، وعسرنا ويسرنا،
_________
(١) أبو عبد الله بن الأزرق، بدائع السلك في طبائع الملك، تحقيق علي سامي النشار، ج١، ص ٧٧.
(٢) شرح النووي مع صحيح مسلم، ج١، ص ٢٢٠.
(٣) سورة النساء الآية: ٥٩.
(٤) ابن تيمية مجموع الفتاوى، ص ٢٨، ٢٤٦.
1 / 17
وأثرة علينا، وألا ننازع الأمرَ، قال: " أن تروا كفرا بواحا، عندكم فيه من الله بُرْهان» (١) .
٢ - وعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ، أنه قال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني» (٢) .
٣ - وعن ابن عمر ﵁ قال: عن النبي ﷺ قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (٣) .
٤ - وعن أنسى ﵁ قال: " قال رسول الله ﷺ: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كان رأسه زبيبة» (٤) .
٥ - وعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ: أنه قال: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات مِيْتَة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عميّة، بغضب لعصبية، أو يدعو لعصبية، أو ينصر عصبية، فقتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضربها بَرها وفاجرها ولا يتحاشى عن مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه» (٥) .
_________
(١) رواه البخاري ومسلم.
(٢) رواه البخاري ومسلم.
(٣) رواه البخاري ومسلم.
(٤) رواه البخاري ومسلم.
(٥) رواه البخاري ومسلم.
1 / 18
٦ - وعن معاذ بن جبل ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «الغزو غزوان: فأما من ابتغى به وجه الله، وأطاع الإمام وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، فإن نومه ونبهته، أجر كله، وأما من غزا فَخْرا، ورياءَ وعصى الإمام وأفسد في الأرض، فإنه لم يرجع بالكفاف» (١) .
٧ - وفي حديث الحارث الأشعري الذي رواه الأمام أحمد أن النبي ﷺ قال: «وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهن: السمع والطاعة والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» (٢) .
٨ - وعن أبي بكرة ﵁ قال: قال النبي ﷺ «السلطان ظل الله في الأرض، فمن أكرمه أكرمه الله، ومن أهانه أهانه الله» (٣) .
٩ - وعن أم حصين قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنْ أمرَ عليكم عبدٌ مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا» (٤) .
١٠ - وعن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية» (٥) .
_________
(١) رواه مالك وأبو داود والنسائي.
(٢) رواه الإمام أحمد والترمذي.
(٣) رواه الطبراني والبيهقي.
(٤) رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
(٥) رواه ابن حبان والحاكم.
1 / 19
١١ - وعن فضالة بن عبيد ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا» (١) .
١٢ - وعن وائل بن حجر ﵁ قال: «قلنا يا رسول الله: أرأيت إنْ كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم؟ فقال: " اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتُم» (٢) .
هذه بعض النصوص من القرآن والسنة التي تحث على طاعة ولاة الأمر في غير معصية، وفيما يلي نستعرض بعض أقوال العلماء المحققين قديما وحديثا في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر:
١ - يقول الحافظ بن رجب ﵀: " وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنظيم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم " (٣) .
٢ - ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ " فطاعة الله والرسول واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعته، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال، فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم فما له في الآخرة من خلاق " (٤) .
_________
(١) رواه ابن حيان والحاكم.
(٢) رواه مسلم.
(٣) ابن رجب، جامع العلوم والحكم، ج ٢، ص ١١٧.
(٤) ابن تيمية مجموع الفتاوى، ج ٣٥، ص ١٦ - ١٧.
1 / 20
فوائد السمع والطاعة لولي الأمر لكل من الفرد والمجتمع: لطاعة ولي الأمر فوائد متعددة من أهمها ما يلي: (١) .
١ - امتثال أمر الله تعالى وابتدار طاعته، فإن مَنْ أطاع بالمعروف فقد أطاع الله كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] (٢) .
وفي الحديث الصحيح: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومنى عصى أميري فقد عصاني» (٣) .
ولا شك أن هذا الامتثال لأوامر الله من أعظم الأدلة على عبودية الإنسان لله، وخضوعه وإيمانه به ربا وإلها شارعا.
٢ - بطاعة ولي الأمر في المعروف تنتظم أمور الدولة وأحوالها كلها.
٣ - بالطاعة لولي الأمر تتماسك الأمة وتتحد كلمتها وتقوى الصلة بين أفرادها.
٤ - بالطاعة لولي الأمر يعم الأمن والاستقرار في ربوع الدولة الإسلامية، وهذا أمر واضح، فالطاعة لأولي الأمر تعني سيطرة الشرع على كل التصرفات، والتغلب على الهوى والنفس اللذين يَجُران إلى الجريمة والتمرد والعصيان، وهذا يصل بإذن الله من تحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة في النفس والمجتمع والبلاد.
_________
(١) عبد الله الطريقي، طاعة أولي الأمر، الرياض، دار المسلم، ١٤١٤ هـ، ص ٥٩.
(٢) سورة النساء، الآية ٩٥.
(٣) رواه البخاري ومسلم.
1 / 21
٥ - بالطاعة لولي الأمر تظهر الأمة المسلمة بمظهر الهيبة والقوة والرهبة أمام الأعداء، فإذا كانت هذه الأمة تأتمر بأوامر قيادتها العُليْا في غير معصية الله، فإن هذا سيكون له أثره على الأعداء بلا شك، لما فيه من معاني الاتحاد والائتلاف والتماسك بين أفراد الأمة، ولهذا يقول سبحانه: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٤٦] (١) . ومعلوم أن لوازم طاعة الله ورسوله طاعة أولي الأمر.
٦ - بالطاعة لولي الأمر يستقر الأمن وتتفرغ الأمة للبناء والتعمير وتحقيق أهدافها التنموية لبناء الإنسان المسلم.
الأضرار والمفاسد التي تترتب على عصيان ولي الأمر والتمرد عليه: يترتب على عصيان ولي الأمر والتمرد عليه أضرار عظيمة أهمها:
١ - التمرد على ولي الأمر يعد معصية لله جل وعلا ومخالفة لأمره ﷾ بالطاعة لولي الأمر في غير معصية.
٢ - التمرد على ولي الأمر فيه تمزيق لوحدة الأمة وتهديد لأمنها واقتصادها.
٣ - التمرد على ولي الأمر يعكر الأمن والاستقرار ويسبب الخوف والقلق لأفراد المجتمع.
٤ - التمرد على ولي الأمر يفتح الباب واسعا لشتى الجرائم.
_________
(١) سورة الأنفال آية٤٦.
1 / 22
[المطلب الثالث التزام الوسطية والاعتدال في شئون الحياة كلها]
المطلب الثالث
التزام الوسطية والاعتدال
والابتعاد عن الإفراط
والتفريط في الدين
1 / 23
التزام جانب الوسطية والاعتدال والابتعاد عن الإفراط والتفريط في الدين من أهم الضمانات اللازمة لاستمرار نعمة الأمن والاستقرار في بلادنا، وكما هو معلوم فإن الوسطية والاعتدال خاصة من أبرز خصائص الإسلام، وهي وسام شرف الأمة الإسلامية، ومن أبرز مميزات الوسطية، الأمان ولذا، يُقال الوسطية تمثل منطقة الأمان والبعد عن الخطر، فالأطراف عادة تتعرض للخطر والفساد، بخلاف الوسط فهو محمي ومحروس بما حوله، كما أن من أهم مميزات الوسطية في الإسلام كون الوسطية دليل القوة، فالوسط مركز القوة، ألا ترى أن الشباب الذي يمثل مرحلة القوة والحيوية وسط بين ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة، والشمس وسط النهار أقوى منها في أول النهار وآخره. قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣]
بهذه الآية الكريمة حدد الحق ﵎ هُوية هذه الأمة، ومكانتها بين الأمم، لا إفراط ولا تفريط، لا إهمال ولا تطرف، لا تكاسل ولا غلو، بل اعتدال في كل شأن من شؤون الأمة.
لقد كان السلف الصالح من هذه الأمة الشهيدة على الناس أحسن الناس تصورا للوسط وفهما للشريعة والعقيدة على هذا الأساس الراسخ، كما كانوا في حياتهم اليومية أكثر الناس تمسكا بهذا الأصل، وهو التوسط بلا غلو ولا انحلال، تشهد على ذلك سيرتُهم وحياتهم من أخذ بأصول الخلاف العلمي وآدابه وبالخلق الإسلامي الرفيع.
وإذا كان الإسلام يدعو إلى الوسطية فإنه يُحَذر كل التحذير من كل ما يتعارض معها من إفراط وتفريط.
1 / 25
لقد نهى الله ﷾ في كتابه العزيز وعلى لسان رسوله ﷺ عن الغلو في الدين لحكم متعددة من أهمها أن الإسلام دين توحيد واجتماع، والغلو في الدين سبب رئيسي من أسباب الاختلاف والتفرق والتمزق بين أفراد المجتمع الإسلامي، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٥٩] (١) وقال تعالى ﴿وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ - مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: ٣١ - ٣٢] (٢) .
كما أن الغلو في الدين فيه مشقة وهو يتعارض مع تعاليم الإسلام الداعية إلى اليسر ورفع الحَرَج فيسر الإسلام والتيسير خاصة من خصائصه التي اختلف بها عما سواه من الأديان والمشقة والحرج ليسا من مقاصد الشرع أما اليسر والتيسير فهما من مقاصده، وتقرير هذا من القرآن والسنة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] (٣) .
، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] (٤) ويقول ﷺ: «إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا» (٥) وقال ﷺ لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن: «يسِّرا ولا تعسرا ولا تنفًرا» (٦) .
لقد امتن الله على عباده برفع الحرج عن المكلف، وأن الله ﷾ حبب إلى عباده الإيمان بتيسيره وتسهيله، وكره إليهم الغلو والتشدد والتنطع؛ لأن في الغلو والتطرف في الدين عيوبا وآفات أساسية تصاحبه وتلازمه منها: (٧) .
_________
(١) سورة الأنعام، الآية ١٥٩.
(٢) سورة الروم، الآية ٣٢.
(٣) سورة الحج، الآية ٧٨.
(٤) سورة البقرة، الآية ١٨٥.
(٥) رواه مسلم.
(٦) رواه البخاري.
(٧) يوسف القرضاوي، الصحة الإسلامية بين الجحود والتصرف، القاهرة دار الصحوة، ١٤١٢ هـ، ص ٣٢ - ٣٦.
1 / 26
١ - أن الغلو منفر، لا تحتمله طبيعة البشر العادية ولا تصبر عليه.
٢ - أنه قصير العمر. . . فالإنسان - إلا مَنْ وفقه الله - ملول فيسأم ويدع العمل حتى القليل منه، أو يأخذ طريقا آخر على عكس الطريق الذي كان عليه، أي ينتقل من الإفراط إلى التفريط ومن التشدد إلى التسيب.
٣ - أن الغلو في الدين لا يخلو من جَوْر على حقوق أخرى يجب أن تُرَاعى وواجبات أن تؤدى. . . قال ﷺ لعبد الله بن عمرو حين بلغه انهماكه في العبادة انهماكا أنساه حق أهله عليه: «ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قال عبد الله: قلت بلى يا رسول الله. . . قال ﷺ لا تفعل صم وأفطر وقم ونم. . . فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا» (١) . يعني فأعط كل ذي حق حقه ولا تغلُ في ناحية على حساب أخرى، وما أصدق ما قال بعض الحكماء: ما رأيت إسرافا إلا وجانبه حق مضيع.
وكما نهى الله جلّ وعلا عن الغلو والتطرف والإفراط نهى كذلك عن التفريط في الدين، والذي يعني في أبسط معانيه وصوره التضييع والتقصير والتهاون والترك، والتفريط في الدين يكون بسبب عدم الاهتمام بالمحافظة على حدود الله وعدم الرغبة بالتزامها، نتيجة ضعف الإيمان أو انعدامه، وعلى هذا فالتفريط في الدين إنْ لم يكن من مستوى الكفر والجحود فهو اتباع للهوى وإيثار للشهوات وحب للعاجلة، وترك الأخرى، وقد يصل ذلك إلى مستوى الرغبة في الفجور وهو الانطلاق الوقح في المعاصي والآثام دون ضابط.
_________
(١) رواه البخاري.
1 / 27
لقد أنسى التفريطُ في الدين الكثيرَ من الأمم السابقة ما ذكِّروا به على ألسنة رسلهم، فانحرفوا عن الدين انحرافا كُليا فاستحقوا الهلاك، وفي بيان ذلك يقول الحق ﵎ في محكم كتابه العزيز: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ - فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: ٤٢ - ٤٤]
والخلاصة أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال لا يقر الإفراط والتفريط في الدين؛ لأنهما خروج عن تعاليمه، فالشريعة الإسلامية شريعة يسر وسماحة تامة وبعد عن التكلف والتعمق وكل ما يورد المسلم شكا في دينه وشريعته وحرجا نابعا عن هذا التعمق والتنطع المؤدي إلى الوسوسة والضيق، فشريعة الله ميسرة وطريق تحصيل الثواب والأجر لا يكون بالقصد إلى المشاق، وتحمل الصعب من الأمور، ولكن بالإخلاص في الامتثال والاقتداء بنبي الرحمة عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
مما سبق نستطيع القول بأن الأمن والاستقرار في أي مجتمع مقرون أشد الاقتران بأخذ هذا المجتمع بمبدأ الوسطية والاعتدال وابتعاده عن الغلو في الدين أو التفريط فيه فما من مجتمع فشا فيه الغلو أو التفريط في أمور الدين، إلا وتعكر الأمن فيه وتزعزعت دعائمه وأصبح الناس فيه غير آمنين على دينهم وأنفسهم وأموالهم. . . فلنأخذ بمبدأ الوسطية والاعتدال في شئون حياتنا لننعم بنعمة الأمن والاستقرار والتقدم والرخاء.
[المطلب الرابع القيام بواجب النصيحة بالأسلوب الشرعي مع مراعاة التلازم] بين نصيحة ولي الأمر والدعاء له
1 / 28
المطلب الرابع
القيام بواجب النصيحة
بالأسلوب الشرعي مع مراعاة
التلازم بين نصيحة ولي الأمر والدعاء له
1 / 29