La Table de Platon : Discours sur l'amour
مائدة أفلاطون: كلام في الحب
Genres
بعد أن مات أفلاطون حل محله في الأكاذيمية رجال تعلقوا بدراسة محاوراته الأولى، وهم يمتون بحبل الفكر إلى بروتاغوراس وجورجياس أكثر منهم إلى سقراط، وأعظمهم قدرا أرسيسيالوس (315-240) وكارنياديس (128-213) وقد حولا قوة انتقادهما إلى خريسبوبوس مصلح الرواقية وزعيمها بعد زينون، ومما قالاه عبارات تشكك في كافة الحقائق المعلومة، سعيا وراء هدم نظرية المعرفة التي أساسها العلم بالحواس، والشعور بالعالم الخارجي.
والذي سوأ مركز الرواقيين هو أنهم كانوا يؤمنون بآلهة اليونان ذكورا وإناثا، ويصدقون بالوحي والتنبؤات؛ لأجل هذا هجم كارنياديس على الرواقيين، ونقد فلسفتهم، ووضع أساس فلسفة التشكيك، وكان مبدأهم الترجيح في خطط الحياة، وقد نجحوا في هدم غرور خصومهم، وأوصلونا إلى أوريل وسينكا وإييكتت. (3) الأبيقورية أو «فلسفة الملاذ»
مدرسة فلسفية مركزها وسط بين السابقتين، وهي أقرب إلى المشككين منها إلى الرواقيين.
أما أبيقور مؤسسها وزعيمها فكان جاهلا بمبادئ العلوم الطبيعية، وكان لا يعتقد بكروية الأرض، ولا بأن الشمس والقمر هما في الحقيقة أكبر مما نراهما ويظنهما بحجمهما الطبيعي! ولا ندري كيف هيئ له أن ينعش نظرية الذرات التي ظهر فضله فيها بعد موته بتسعة عشر قرنا، وكان من أهل ساموس (270-342)، وعاش في أثينا، وكان محدود العقل، ويرى رأي أفلاطون في أن غاية الحقيقة الوصول إلى السعادة، وهو يفضل أخف الضررين وأهون الشرين، ويكره العقائد الدينية؛ لأنها تشغل نفسه عن اللذة الناتجة عن «خلو البال». ويقول إنه لا يجوز للإنسان أن يخاف من المستقبل بعد الموت؛ لأنه لا حياة هناك. وأنكر تداخل الآلهة في شئون البشر، وأنكر الحياة بعد الموت، وكان لا يؤمن بها. ويذكر القارئ أن ديموقريط قال بمذهب الذرات، وهذا المذهب يؤدي بطبيعته إلى الإلحاد، فانتحله أبيقور لا تقديرا لقيمته العلمية، ولكن لأن انتحال هذا المذهب ينقذه من الاعتقاد الإلهي الذي يؤدي إلى الاعتقاد بتداخل الله في أحوال الدنيا، وهذا الذي لا يريده أبيقور لا من وجهة علمية، ولكن ليريح فكره. ولما كان أبيقور جاهلا جدا بمبادئ العلم الطبيعي، فقد حور في مذهب الذرات تحويرا ظنه يوفق بينه وبين تطور العلم الطبيعي منذ عهد ديموقريط صاحب هذا المذهب إلى عهد أبيقور بعد أن مرت الفلسفة والعلم بأرسطوطاليس العظيم.
وقوة الأبيقورية ليست مستمدة من المبادئ الطبيعية، ولكن من بحثها الأخلاقي، وجعلها اللذة غاية كل خير ومقصد كل حي في الوجود. ولكن هذا المذهب أيضا، وهو تمجيد اللذة، لم يكن حديثا، بل قال به من قبل ديموقريط نفسه صاحب مذهب الذرات، وإن كان لم يفه حقه من الشرح والتفسير فقد وفاه حقه أفلاطون نفسه في محاورته «بروتاغوراس» ونقحه وهذبه، وأيده في «كتاب النواميس». وخلاصة هذا المبدأ في رأيي أبيقور وأفلاطون أن الفضيلة في الإنسان نتيجة الحذر، وليس مقصدنا بالفضيلة إسعاد الناس أو إسعاد العالم، ولكن مقصدنا هو إبعاد الأذى عن ذواتنا، وضمانة خيرنا الذي هو في حدوث اللذة، وانتفاء الألم، وهذا المذهب الذي يسميه الإنجليز «هدونيزم»، وكان الأقدمون يزيفون هذا المذهب بتمثيل اللذة في الشهوات البدنية، ويطعنون على اللذة ويمقتونها من طريق الطعن على تلك الشهوات، ولكن شرح أفلاطون وتفسيره نظرية اللذة لم يبق مجالا لهذا الاعتراض، لا سيما وأن أبيقور نفسه بين أن اللذة ليست قاصرة على الإحساسات المادية، بدنية أو غير بدنية، بل إن للشعور المعنوي منها أوفر نصيب.
فذكر قبل موته بيوم واحد أن تذكر محادثة فلسفية جرت له مع صديق خففت ألمه في داء من أقسى الأدواء وأشدها وطأ؛ ولذا كان الأبيقوريون يمجدون الصداقة، ويعلون شأن الوفاء فيها، وربما قد استعاضوا بلطف العشرة عن قوة الإدراك والبحث العلمي؛ لأنهم كانوا بالفعل جهلاء، لدرجة أنهم لم يجرءوا على تعديل كلمة واحدة مما رسمه «الأستاذ الأكبر» أبيقور، وكانوا يعدون التحريف كفرا لا يغتفر؛ لأنهم كانوا قد ألهوا زعيمهم وعبدوه، وهذه المدرسة الفكرية تدل على الحالة العلمية والعقلية التي وصلت إليها الحكمة بعد زعمائها الأول، على أن لمذهب أبيقور أنصارا عظماء، منهم: جيو الشهير الذي مات في مقتبل العمر بفرنسا؛ فقد كتب عنها كتابا عظيما نال جائزة من جمعية العلوم المدنية والسياسية بباريس، وهو يذكر أن كثيرا من المذاهب الحديثة تمت إلى الأبيقورية بحبل النسب (راجع كتابه
La Morale d’Epicure et ses rapports avec Ies doctrines contemporaines ، طبع فليكس، الكان سنة 1910).
الأفلاطونية المستحدثة
لما تغلبت مقدونيا على بلاد الإغريق، وفازت القوة الغشوم ببطشها المادي على مبادئ الذكاء والعدل والعلم الصحيح، ولما استولت دولة الرومان بجيوشها الجرارة على ممالك العالم، خفت صوت الفلسفة، وانطفأ مصباح العقل تحت تأثير العاصفة، وذهبت من النفوس عاطفة الشجاعة المعنوية، والتفاني في سبيل الحق والعدل، واتجهت النفوس بعد استضعافها نحو العقائد الدينية التي من شأنها تعزية العاجز، وتعويده على الصبر والاستسلام. ولا يخفى أن تلك العقائد تجلب خلفها طائفة من الأوهام والخرافات، وتغري الشعوب بالعيش الرخيم في ظلال الجهل والكسل، والتوفر على الراحة، والنفور من بذل كل مجهود عقلي غايته رفع الغشاوة عن البصائر، كل هذا يجلبه الاستسلام للعقائد بغير فحص، ولا تمحيص، وأشد من هذا في نظر الفلاسفة اعتقاد العامة في الخلود الإنساني، ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن القول بخلود النفس ليس رأيا دينيا، وإنما هو رأي ابتدعه أفلاطون، وصاغه في قالب بلاغته، وكان استفاده من المصريين والفيثاغوريين. وإن الأمم الجاهلة الضعيفة التي تفقد أملها في هذه الدنيا، وتبحث عن النور فلا تجده في عقولها التي خيمت عليها الأوهام، تبحث عن عزاء خيالي فتلتمسه في فكرة الخلود. هذه هي الحال المعنوية التي بعثت فلسفة أفلاطون من مرقدها؛ لأنها فلسفة دينية بشكلها وموضوعها، وفيها كل ما تحتاج إليه النفس المتدينة من عقيدة التناسخ إلى عقيدة الخلود بما في ذلك مذهب التصوف، وفكرة الثواب والعقاب في عالم غير العالم الأرضي.
وكان أفلاطون ذاته شبه فيثاغوري، فلما بعثت فلسفته كان من نهضتها نصيب لفلسفة فيثاغورس، فنفضت عن أردانها غبار النسيان، ونشرت على العقول شباكا عتيقة، ولكنها قوية من الاعتقاد بالتقمص وسر الأعداد والتنجم (ولا يزال كثيرون من الشرقيين يعتقدون في سر الأعداد، ويستعملونها في السحر والرقى كما تدل على ذلك مقدمة ابن خلدون، وكتب التنجيم، وتخوت الرمل، وحساب الجمل، وهي أثر من الفلسفة الفيثاغورية انتحلها بعض المشعوذين، وتبعهم بعض الجهال من أبناء بلادنا).
Page inconnue