إن الشيعيين اضطهدوا من السنيين وكانوا يدعون أنهم إنما يفعلون ذلك دفاعا عن أنفسهم، ولكن كانت غلطة يزيد بن معاوية في قتل الحسين غلطة كبرى لم يمكن إصلاحها ، فظلت تعمل عملها على طول الأزمان. ولم يكتف السنيون بذلك بل جعلوا يقتلون كل إمام طالبي يظهر، ونحن إذا قرأنا كتاب «مقاتل الطالبيين» لأبي فرج الأصفهاني رعبنا من كثرة ما وقع على العلويين من قتل وتعذيب وتشرد، وهذا القتل المتتابع حمل العلويين أن يختفوا، وقام حول الاختفاء دعاو غير معقولة من عصمة الأئمة ونحو ذلك؛ ولهذا التعذيب والقتل أيضا اضطر الشيعيون أنت يعتنقوا مبدأ التقية، ومعناه ألا يبيحوا بأسرارهم ومعتقداتهم إلا لمن يثقون بهم، وأنشئوا لأنفسهم أدبا شيعيا لا ينقطع وهو يقابل الأدب السني، ولئن كان كثير من الأدب السني كان يقال في مدح الخلفاء والملوك والأمراء السنيين، فإن الأدب الشيعي كان يقال في مدح الأئمة والرثاء الحار في قتلاهم.
وقد أثرت هذه الأحداث المتتابعة أحزانا عميقة في نفوس الشيعة، وانقلبت أحيانا إلى ثورات مهدية نقلنا بعضها، كما أثارت دموعا غزيرة حارة حتى ضرب المثل برقة دمعة الشيعي، وقال القائل:
أرق من دمعة شيعية
تبكي علي بن أبي طالب
وألف الشيعيون الاضطهاد والبؤس والشقاء حتى تمرسوا عليه، وانقلبت بعد ذلك هذه الحالة إلى مؤامرات سرية وتدبيرات خفية حتى لو قلنا: إنهم مهروا في ذلك كمهارة الماسونية لم نبعد عن الصواب، وإلى الآن يجددون هذه الأحزان في العشرة الأولى من المحرم، وينشدون القصائد ويضربون أنفسهم بالجنازير ذكرى لمأساة كربلاء، ويخصون بالسخط والكراهية يزيد وآله الأمويين ويقول بعضهم: ما لحياتنا قيمة لو لم نحزن على مقتل الحسين ونبكي عليه. ويرى بعضهم أن الحزن على الحسين علامة الإيمان الصحيح.
ومما زاد في العطف عليهم أنهم أقرب الناس إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وأنهم معارضون للدولة الرسمية القائمة والمعارضون دائما ينالون عطف الشعوب كالذي نراه بين أحزابنا اليوم ... يضاف إلى ذلك أنهم مضطهدون، وكذلك المضطهد محل العطف وقد أنجح مواقفهم توالي الظلم من رجال الدولة الرسمية حتى لا يكاد ينجو من بذلك أحد منهم، فإسراف في الترف ومصادرات للأموال، وضرائب قاسية ظالمة وعكوف على الشراب إلى غير ذلك.
نعم إنه كان من الجميل جدا كرههم لظلم الخلفاء الرسميين، وإفهامهم الناس هذه المظالم التي ترتكب وحثهم على المطالبة بتحقيق العدل ورفع الظلم، ولكن يؤخذ عليهم شيئان:
الأول:
أنهم مزجوا هذه الدعوة بالأساطير، ولم يكتفوا بالرجوع إلى العقل.
Page inconnue