ولم تبق هذه العربية لغة العرب وحدهم، بل ثقفتها الأمم الأخرى، وأولتها من الحفاوة والعناية أكثر مما أولت لغاتها أحيانا، فصارت لغة العلوم والآداب للعرب وغير العرب حقبا طويلة، ما بين أقصى المغرب وأقصى المشرق، ولا تزال على تبدل الأحوال وتوالي الغير لغة أدب وعلم في الأمم الإسلامية غير العربية، وما تزال لغات هذه الأمم مترعة بألفاظها، وما تزال تستمد العربية.
وقد حوت على مر العصور أدبا لا تحويه لغة أخرى، أدبا موطنه ما بين الصين إلى بحر الظلمات، وزمانه أربعة عشر قرنا، ولا نعرف في آداب العالم قديمها وحديثها أدبا اتسعت به المواطن هذا الاتساع، وامتدت به الأعصار هذا الامتداد.
فالعربية بأهلها وموطنها وخصائصها وآدابها وتاريخها، العربية بقرآنها، خالدة باقية على الخطوب والعصور، لغة دين وعلم وأدب وحضارة وإنسانية، فهل تنصرها همم أبنائها، وتستجيب لها عزائمهم؟
جزيرة العرب
عرفت بلاد العرب منذ الجاهلية باسم جزيرة العرب، وقد روي في بعض الأحاديث النبوية أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب.
وما أحسب العرب في الجاهلية وصدر الإسلام نظروا إلى المعنى الاصطلاحي التام لكلمة جزيرة، بل أرادوا الأرض يدور الماء على نواح منها.
قال المقدسي: إن العرب يسمون شبه الجزيرة جزيرة، ونجد تصديق هذا في تسميتهم جزيرة الأندلس، وجزيرة أقور بين الفرات ودجلة، وجزيرة ابن عمر هناك، والجزيرة الخضراء في الأندلس.
ثم أراد جغرافيو العرب من بعد أن يفسروا هذا الاسم بالمعنى الخاص للجزيرة في الاصطلاح الجغرافي، فقالوا: إنما سميت جزيرة لإحاطة المياه بها. ونقل صاحب لسان العرب عن التهذيب:
سميت جزيرة لأن البحرين بحر فارس وبحر السودان أحاطا بناحيتيها، وأحاط بجانب الشمال دجلة والفرات.
وأجمع ما قيل في هذا ما رواه الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب:
Page inconnue