ليس مقصودهم ، بذكر ذلك ، النقض على ما نحن فيه ، بل النظر في معاني آيات على استقلالها : ألا ترى أن قوله : ( لا تقنطوا من رحمة الله )، أعقب بقوله : ( وأنيبوا إلى ربكم ) [الزمر : 54] الآية. وفي هذا تخويف عظيم مهيج للفرار من وقوعه. وما تقدم من السبب في نزول الآية يبين المراد ، وأن قوله : لا تقنطوا ، ورافع لما تخوفوه من عدم الغفران لما سلف.
وقوله : ( رب أرني كيف تحي الموتى ) [البقرة : 260] نظر في معنى آية في الجملة ، وما يستنبط منها. وإلا فقوله : أو لم تؤمن ، تقرير فيه إشارة إلى التخويف أو لا يكون مؤمنا. فلما قال : بلى. حصل المقصود.
وقوله : ( والذين إذا فعلوا فاحشة ) [آل عمران : 135] ، كقوله : ( لا تقنطوا من رحمة الله ) [الزمر : 53].
وقوله : ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ) [النساء : 110] داخل تحت أصلنا. لأنه جاء بعد قوله : ( ولا تكن للخائنين خصيما ) [النساء : 105]. ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) إلى قوله : ( فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ) [النساء : 107 109].
وقوله ( إن تجتنبوا ) [النساء : 31] آت بعد الوعيد على الكبائر في أول السورة إلى هنالك. كأكل مال اليتيم والحيف في الوصية وغيرهما. فذلك مما يرجى به تقدم التخويف.
وأما قوله : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة ) [النساء : 40] ، فقد أعقب بقوله ( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا ) الآية. وتقدم قبلها قوله : ( الذين يبخلون )، إلى قوله : ( عذابا مهينا ). بل قوله : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة )، جمع التخويف مع الترجية.
وكذلك قوله : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ... ) [النساء : 64] الآية. تقدم قبلها وأتى بعدها تخويف عظيم. فهو مما نحن فيه.
وقوله : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ... ) [النساء : 48] الآية. جامع للتخويف والترجية من حيث قيد غفران ما سوى الشرك بالمشيئة. ولم يرد ابن مسعود بقوله : ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها ، أنها آيات ترجية خاصة. بل مراده ، والله أعلم ، أنها كليات في الشريعة محكمات. قد احتوت على علم كثير ، وأحاطت بقواعد عظيمة في الدين. ولذلك قال : ولقد علمت أن العلماء إذا مروا بها ما يعرفونها.
Page 79