Mahasin Tawil
محاسن التأويل
Genres
آلات الجسم. صوتا كان ذلك أو نارا. أو زلزلة أو رجفا (قال) ومما يدل على أنه قد يكون مصعوقا وهو حي غير ميت قول الله عز وجل ( وخر موسى صعقا ) يعني مغشيا عليه. ومنه قول جرير :
وهل كان الفرزدق غير قرد
أصابته الصواعق فاستدارا
فقد علم أن موسى لم يكن ، حين غشي عليه وصعق ، ميتا. لأن الله ، جل وعز ، أخبر عنه أنه لما أفاق قال : تبت إليك. ولا شبه جرير الفرزدق ، وهو حي ، بالقرد ميتا ، ولكن معنى ذلك ما وصفناه.
وقوله تعالى : ( وأنتم تنظرون ) أي إلى تلك الصاعقة. وقوله تعالى : ( ثم بعثناكم من بعد موتكم ) قال الراغب الأصبهاني في تفسيره : البعث إرسال المبعوث من المكان الذي فيه. لكن فرق بين تفاسيره بحسب اختلاف المعلق به ، فقيل : بعثت البعير من مبركه أي أثرته. وبعثته في السير أي هيجته ، وبعث الله الميت أحياه. وضرب البعث على الجند إذا أمروا بالارتحال. وكل ذلك واحد في الحقيقة ، وإنما اختلف لاختلاف صور المبعوثات (ثم قال) والموت حمل على المعروف ، وحمل أيضا على الأحوال الشاقة الجارية مجرى الموت ، وليس يقتضى قوله ( فأخذتكم الصاعقة ) أنهم ماتوا. ألا ترى إلى قوله : ( وخر موسى صعقا ) لكن الآية تحتمل الأمرين ، وحقيقة ما كان إنما يعتمد فيها على السمع المتعدي عن الاحتمالات. انتهى. وقد يؤيد الثاني آية الأعراف المذكورة وهي ( واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ، فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي ) [الأعراف : 155] ، فالرجفة هي المسماة بالصاعقة هنا ، والتنزيل يفسر بعضه بعضا ، والأصل توافق الآي. وقد ذكر ابن إسحاق والسدي أن الذين أخذتهم الرجفة هم الذين سألوا موسى رؤية الله جهرة ، وسيأتي في الأعراف بسط ذلك إن شاء الله.
دلت الآية على أن طلب رؤيته تعالى في الدنيا مستنكر غير جائز ، ولذا لم يذكر ، سبحانه وتعالى ، سؤال الرؤية إلا استعظمه. وذلك في آيات. منها هذه. ومنها قوله تعالى : ( يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ، فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ) [النساء : 153] ومنها قوله تعالى : ( وقال الذين لا يرجون لقاءنا لو لا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ، لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ) [الفرقان : 21] فدلت هذه التهويلات الفظيعة الواردة لطالبيها في الدنيا على امتناعها فيها. وكما
Page 308