255

** القول في تأويل قوله تعالى :

* (صم بكم عمي فهم لا يرجعون) (18)

( صم بكم عمي ) الصمم : آفة مانعة من السماع ، سمى به فقدان حاسة السمع ، لما أن سببه اكتناز باطن الصماخ ، وانسداد منافذه ، بحيث لا يكاد يدخله هواء يحصل الصوت بتموجه. والبكم : الخرس. والعمى : عدم البصر عما من شأنه أن يبصر.

وصفوا بذلك مع سلامة حواسهم المذكورة لما أنهم سدوا عن الإصاخة إلى الحق مسامعهم ، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم ، وأن ينظروا ويتبصروا بعيونهم ، فجعلوا كأنما أصيب بآفة مشاعرهم كقوله :

صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به

وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

وكقوله :

أصم عن الشيء الذي لا أريده

وأسمع خلق الله حين أريد

( فهم لا يرجعون ) أي بسبب اتصافهم بالصفات المذكورة لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه . أو عن الضلالة بعد أن اشتروها. فالآية الكريمة تتمة للتمثيل بأن ما أصابهم ، ليس مجرد انطفاء نارهم ، وبقائهم في ظلمات كثيفة هائلة مع بقاء حاسة البصر بحالها بل اختلت مشاعرهم جميعا ، واتصفوا بتلك الصفات فبقوا جامدين في مكانهم لا يرجعون ، ولا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون؟ وكيف يرجعون إلى ما ابتدءوا منه.

** القول في تأويل قوله تعالى :

* (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم)

* من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين) (19)

( أو كصيب من السماء ) تمثيل لحالهم إثر تمثيل ، ليعم البيان منها كل دقيق وجليل ، ويوفي حقها من التفظيع والتهويل. فإنه تفننهم في فنون الكفر والضلال حقيق بأن يضرب في شأنه الأمثال. وكما يجب على البليغ في مظان الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز ، فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع.

Page 258