الكمال: يا فقيه، المصلحة عندي أن تترك الاشتغال بهذا الفن. فسأله: ولم يا مولاي؟ فقال: لأن الناس يعتقدون فيك الخير، وهم ينسبون كل من يشتغل بهذا الفن إلى فساد الاعتقاد، فكأنك تفسد عقيدتهم فيك ولا يحصل لك من هذا الفن شيء .. فقبل إشارته وترك قراءته " (١).
ثم آثر ابن الصلاح الرحلة في طلب العلم والسماع. فاتجه شرقًا وطوف بالحواضر العلمية في خراسان ونيسابور ومرو وقزوين .. وأدرك جلة من علمائها ومسنديها الكبار، قبل أن يجتاحها التتار من سنة ٦١٦ هـ.
رحلته كانت قبل وفاة شيخه (العماد أبي حامد ابن يونس، سنة ٦٠٨ هـ، وفيها توفي بنيسابور منصور بن عبد المنعم الفراوي وهو من شيوخ ابن الصلاح. لقيه بنيسابور وسمع منه وحدث عنه.
والراجح أنه لقي بإربل، أو بنيسابور:
" أبا الخطاب ابن دحية الكلبي، عمر بن حسن بن علي البستي، نزيل القاهرة ".
وسمع منه (الموطأ) رواية يحيى بن يحيى الأندلسي. ففي ترجمة الحافظ ابن دحية، بتذكرة الحفاظ وذيل التقييد: " أنه حدث بالموطأ، رواية يحيى بن يحيى سنة ستمائة، سمعه منه تقي الدين ابن الصلاح ". وفي ترجمة ابن دحية بنفح الطيب: سنة نيف وستمائة. وذكر أنه في رحلته الواسعو إلى العراق وأصبهان وخراسان: " صنف التنوير في مولد السراج المنير، عند قدومه إلى إربل في سنة ٦٠٤ هـ، وهو متوجه إلى خراسان، وبعدها سمع نيسابور من منصور بن عبد المنعم الفراوي والمؤيد الطوسي - وهما من كبار شيوخ ابن الصلاح النيسابوريين - .. وعاد أبو الخطاب ابن دحية إلى مصر، وولي مشيخة المدرسة الكاملية بالقاهرة، وفيها وفاته سنة (٦٣٣ هـ) (٢).
_________
(١) ترجمة الكمال بن يونس في: وفيات ابن خلكان ٤/ ٢٥٣، والمختصر لأبي الفداء المؤيد إسماعيل (٣/ ١٧٠ ط الحسينية بالقاهرة ١٣٢٥ هـ) والطبقات للتاج السبكي ٥/ ١٦٠ ومعها ترجمته في تكملة المنذري ٣/ ١١٩٨، وتاريح الإِسلام ودول الإِسلام والعبر للذهبي: وفيات سنة ٦٣٩ هـ.
(٢) تذكرة الحفاظ: ٤/ ١٤٢١، وذيل التقييد للفاسي (٢٣٩ / أ) ونفح الطيب للمقري: ١/ ٣٧١ ط أولى، الأزهرية بالقاهرة ١٣٠٢ هـ.
1 / 16