La Conception de la Méthode Scientifique
مفهوم المنهج العلمي
Genres
كان آينشتين في القرن العشرين لا يزال مبهورا بنظرية فيثاغورث الشهيرة، على أن الجانب التجريبي الصريح الذي هو عماد للمنهج العلمي، قد تراجع إلى حد كبير مع الحضارة الإغريقية في مرحلتها الهلينية أو اليونانية الخالصة التي استمرت حتى رحيل أرسطو. احتقر هؤلاء عالم الطبيعة التجريبي أو بتعبير أرسطو عالم ما تحت فلك القمر، ولكنهم على أي حال قاموا بدورهم الحضاري المشهود في صياغة الأسس النظرية المعرفية للاستدلال العقلي ولمفهوم المنهج العلمي. (4) في العصر السكندري
العصر السكندري مرحلة استثنائية فذة حقا، كان مسرحها مدينة الإسكندرية في ساحل مصر الشمالي، إبان القرون الثلاثة السابقة على ميلاد المسيح؛ حيث صيغ نموذج واعد، يجمع الجانبين: العلم والتقانة، من حيث يجمع دعامتي المنهج العلمي: النظرية والتجربة؛ فقد انصهرت فيها العقلانية الإغريقية مع الحكمة والخبرة المصريتين الخصيبتين.
إنها المرحلة الهلينستية، مرحلة تداخل الحضارة الهلينية؛ أي الإغريقية الخالصة السابقة، مع حضارات الشرق، وذلك حين أسس الإسكندر الأكبر إمبراطوريته التي تضم العالم القديم بأسره تقريبا، وأنشأ عدة مدن تحمل اسم الإسكندرية على رأسها إسكندرية مصر، أنشئت العام 323ق.م في موقع قرية مصرية قديمة تسمى «راقودة»، وبعد رحيل الإسكندر المفاجئ، جرى تقسيم إمبراطوريته بين قواده، وكانت مصر من نصيب بطليموس سوتير، ليبدأ عصر البطالمة فيها. وقد بذل بطليموس الأول جهده ليجعل منها مركزا للعلم، أنشأ فيها أكاديمية ملحقا بها متحف ومكتبة، وسرعان ما باتت تضاهي مدارس الفلسفة في أثينا، وانضم إليها مجمع حكماء عين شمس حاملو الميراث المصري، والذين فيما سبق كانوا قد علموا فيثاغورث وطاليس وأفلاطون، حين ارتحل هؤلاء إلى مصر طلبا للعلم.
أغدق بطليموس الثاني إغداقا باذخا على المكتبة الشهيرة، فجعلها كعبة العلماء والباحثين آنذاك. وورثت الإسكندرية عرش أثينا كمركز للعقل والمعرفة والعلم، وقدمت نموذجا معرفيا تفوق على النموذج الهيليني، من حيث اكتمال جانبي المنهج العلمي فيه، وفاقتها بما لا يضاهى في التقانة (التكنولوجيا) وصنع الآلات، وحسبنا أن نذكر اسم التكنولوجي الرائد هيرو السكندري (+50ق.م )، اخترع العديد من الآلات وترك أبحاثا في الرياضيات وعلم المساحة والميكانيكا والبصريات والفيزياء الجوية.
حتى الرياضيات مجد أثينا العظيم قطعت في الإسكندرية خطى تقدمية واسعة، وأحرزت على يد إقليدس كمالا لا يزال مثالا يحتذى للمنهج الاستنباطي المنتج في الرياضيات. اكتملت نسقية الهندسة على يديه في كتابه «الأصول» أو أصول الهندسة الذي يتصدر قائمة الكتب التي شهدت طباعة أكبر عدد من النسخ في التاريخ. واستؤنفت المسيرة بهندسة المجسمات، والقطوع المخروطية مع هيبسكليس وأبولونيوس وسواهما. وارتبط بهذا تقدم في الجغرافيا والطب والفيزياء. وفي الفلك قدمت الإسكندرية نظريتين معالجتين رياضيا، الأولى لأرسطارخوس الساموسي (توفي قرابة 230ق.م)، على أساس من مركزية الشمس، والأخرى لبطليموس على أساس من مركزية الأرض. ولأسباب كثيرة، قدرت لمركزية الأرض البطلمية السيادة طوال العصور الوسطى.
يوازي هذا نضج ملحوظ في علوم الجغرافيا. ظهر إراتوستينيز (توفي 194ق.م)، الذي يوصف بأنه إمام الجغرافيين في العصر القديم، حاول ابتكار طريقة لقياس محيط الأرض وقطرها. وفي الطب يكفي اسم العلمين أبقراط وجالينوس؛ فقد نالت علوم الحياة أيضا حظا عظيما من العناية في مكتبة الإسكندرية ومتحفها، والذي لم يكن متحفا بالمفهوم الحديث، بل هو بهذا المفهوم أول جامعة في العالم، وشاهد على أن الإسكندرية كانت من معاقل ممارسة المنهج العلمي كمنهج معرفي تجريبي. كان جاليليو (1564-1642م) من أعظم آباء العالم الحديث، ويقف كعلامة فارقة في مسار تطور المنهج العلمي، قال قولته الشهيرة: «كتاب الطبيعة المجيد مكتوب بلغة الرياضيات»، وجاهر بأن إنجازاته ما كانت لتتاح دون إنجازات أرشميدس (+212ق.م)، في ذلك العصر السكندري الزاخر؛ فهو الذي علمه التآزر المثمر الولود بين الرياضيات ووقائع التجريب؛ أي علمه أصوليات المنهج العلمي. لقد كان أرشميدس في طليعة الآباء العظام، الذين قدمت ممارساتهم صورة مبكرة وناضجة للمنهج العلمي.
على الإجمال، يعد مؤرخو العلم المرحلة السكندرية من أهم مراحل تاريخ العلم القديم، حتى يراها بعضهم تقف على قدم المساواة مع مرحلة الثورة العلمية الحديثة في القرن السادس عشر. •••
المرحلة السكندرية أعقبتها الفلسفة الرومانية التي امتدت حتى القرن الخامس الميلادي الذي يعد نهاية عصر الفلسفة القديمة، ما بعده يعرف بالمرحلة الوسيطة أو العصور الوسطى؛ حيث إنها تتوسط نهضتين هما مرحلتان مشرقتان في الحضارة الغربية الأوروبية، الأولى مع الإغريق والثانية هي عصر النهضة والعصر الحديث. أما العصور الوسطى الأوروبية ذاتها، فكانت مرحلة مظلمة، يواكبها زمانيا مرحلة العصر الذهبي للحضارة الإسلامية.
في أقل من مائة عام طوقت الفتوحات الإسلامية شواطئ البحر المتوسط، من أقصى شماله الشرقي إلى أقصى جنوبه الغربي ومضيق جبل طارق، وكاد يتحول إلى بحيرة عربية تجوبها الألوية والصواري الإسلامية. ولما كان ثبج البحر آنذاك هو وسيلة الاتصال بين أرجاء المعمورة، فقد اختنقت أوروبا ودخلت في ليل العصور الوسطى، التي كانت شمسها غاربة عن الغرب ومشرقة في الشرق؛ فكانت الحضارة الإسلامية هي التي حملت آنذاك لواء التجريب والمنهج العلمي في تلك الحقبة من تاريخ البشر.
الفصل السابع
Page inconnue