Les clés de l'invisible
مفاتيح الغيب
Maison d'édition
دار إحياء التراث العربي
Numéro d'édition
الثالثة
Année de publication
١٤٢٠ هـ
Lieu d'édition
بيروت
Genres
Tafsir
النُّكْتَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: إِنَّهُ لَا بُدَّ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ مِنَ التَّعَوُّذِ، وَأَمَّا سَائِرُ الطَّاعَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُتَعَوَّذُ فِيهَا، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُنَجَّسُ لِسَانُهُ بِالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَبْدَ بِالتَّعَوُّذِ لِيَصِيرَ لِسَانُهُ طَاهِرًا فَيَقْرَأُ بِلِسَانٍ طَاهِرٍ كَلَامًا أُنْزِلَ مِنْ رَبٍّ طَيِّبٍ طَاهِرٍ. النُّكْتَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّهُ شَيْطَانٌ رَجِيمٌ، وَأَنَا رَحْمَنٌ رَحِيمٌ، فَابْعُدْ عَنِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ لِتَصِلَ إِلَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. النُّكْتَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: الشَّيْطَانُ عَدُوُّكَ، وَأَنْتَ عَنْهُ غَافِلٌ غَائِبٌ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ يَراكُمْ/ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ [الْأَعْرَافِ: ٢٧] .
فَعَلَى هَذَا لَكَ عَدُوٌّ غَائِبٌ وَلَكَ حَبِيبٌ غَالِبٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ [يُوسُفَ: ٢١] فَإِذَا قَصَدَكَ الْعَدُوُّ الْغَائِبُ فَافْزَعْ إِلَى الْحَبِيبِ الْغَالِبِ، وَاللَّهُ ﷾ أعلم بمراده.
الباب السابع فِي الْمَسَائِلِ الْمُلْتَحِقَةِ بِقَوْلِهِ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يُقَالَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ» وَبَيْنَ أَنْ يُقَالَ: (بِاللَّهِ أَعُوذُ) فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَالثَّانِي: يُفِيدُهُ، فَلِمَ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي مَعَ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الثَّانِيَ أَكْمَلُ وَأَيْضًا جَاءَ قَوْلُهُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» وَجَاءَ قَوْلُهُ: «لِلَّهِ الْحَمْدُ» وَأَمَّا هُنَا فَقَدْ جَاءَ «أَعُوذُ بِاللَّهِ» وَمَا جَاءَ قَوْلُهُ «بِاللَّهِ أَعُوذُ» فَمَا الْفَرْقُ؟.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ) لَفْظُهُ الْخَبَرُ وَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ، وَالتَّقْدِيرُ: اللَّهُمَّ أَعِذْنِي. أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ:
وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [آلِ عِمْرَانَ: ٣٦] كَقَوْلِهِ: «أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ» أَيِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ إِخْبَارٌ عَنْ فِعْلِهِ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إِنَّمَا الْفَائِدَةُ فِي أَنْ يُعِيذَهُ اللَّهُ، فَمَا السَّبَبُ فِي أَنَّهُ قَالَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ» وَلَمْ يَقُلْ أَعِذْنِي؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ بَيْنَ الرَّبِّ وَبَيْنَ الْعَبْدِ عَهْدًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ [النَّحْلِ: ٩١] وَقَالَ: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [الْبَقَرَةِ: ٤٠] فَكَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ أَنَا مَعَ لُؤْمِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَنَقْصِ الْبَشَرِيَّةِ وَفَّيْتُ بِعَهْدِ عُبُودِيَّتِي حَيْثُ قُلْتُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ» فَأَنْتَ مَعَ نِهَايَةِ الْكَرَمِ وَغَايَةِ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ أَوْلَى بِأَنْ تَفِيَ بِعَهْدِ الرُّبُوبِيَّةِ فَتَقُولُ: إِنِّي أُعِيذُكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
الْمَسْأَلَةُ ج: أَعُوذُ فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وَهُوَ يَصْلُحُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، فَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا؟ وَالْحَقُّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ مَجَازٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِهِ بِحَرْفِ السِّينِ وَسَوْفَ.
(د) لِمَ وَقَعَ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْمَاضِي؟.
(هـ) كَيْفَ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الْمُضَارِعِ وَبَيْنَ الِاسْمِ.
(و) كَيْفَ الْعَامِلُ فِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَعْمُولٌ فَمَا هُوَ.
(ز) قَوْلُهُ: (أَعُوذُ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ مُسْتَعِيذٌ فِي الْحَالِ وَفِي كُلِّ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ الْكَمَالُ، فَهَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةَ بَاقِيَةٌ في الجنة.
1 / 95