63

Les clés de l'invisible

مفاتيح الغيب

Maison d'édition

دار إحياء التراث العربي

Numéro d'édition

الثالثة

Année de publication

١٤٢٠ هـ

Lieu d'édition

بيروت

Genres

Tafsir
تَبْقَى حَيَّةً فَعَّالَةً مَصُونَةً عَنِ الْفَسَادِ إِلَى الْأَجَلِ الْمُعَيَّنِ وَالْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، فَكُلُّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ احْتِمَالَاتٌ ظَاهِرَةٌ، وَالدَّلِيلُ لَمْ يَقُمْ عَلَى إِبْطَالِهَا، فَلَمْ يَجُزِ الْمَصِيرُ إِلَى الْقَوْلِ بِإِبْطَالِهَا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الشُّبْهَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ حُصُولُ تِلْكَ الصَّدَاقَةِ وَالْعَدَاوَةِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ لَا يَعْرِفُ إِلَّا حَالَ نَفْسِهِ، أَمَّا حَالُ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُهَا، فَبَقِيَ هَذَا الْأَمْرُ فِي حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الشُّبْهَةِ الثَّالِثَةِ: فَهُوَ أَنَّا نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُودِ الْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ يُوجِبُ الطَّعْنَ فِي نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ ﵈، وَسَيَظْهَرُ الْجَوَابُ عَنِ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي الْجَوَابِ عَنِ الشبهات.
دليل وجود الجن من القرآن:
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالْأَخْبَارَ يَدُلَّانِ عَلَى وُجُودِ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ: أَمَّا الْقُرْآنُ فَآيَاتٌ: الْآيَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يَا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [الْأَحْقَافِ: ٢٩، ٣٠] وَهَذَا نَصٌّ عَلَى وُجُودِهِمْ وَعَلَى أَنَّهُمْ سَمِعُوا الْقُرْآنَ، وَعَلَى أَنَّهُمْ أنذروا قومهم، والآية الثانية قوله تعالى: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ، [الْبَقَرَةِ: ١٠٢] وَالْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ ﵇: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا [سَبَأٍ: ١٣] وَقَالَ تَعَالَى: وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ [ص: ٣٧، ٣٨] وَقَالَ تَعَالَى: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ- إِلَى قَوْلِهِ/ تَعَالَى: وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ [سبأ: ١٢] والآية الرابعة قوله تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الرَّحْمَنِ: ٣٣] وَالْآيَةُ الْخَامِسَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ [الصَّافَّاتِ: ٦، ٧] وَأَمَّا الْأَخْبَارُ فَكَثِيرَةٌ: - الْخَبَرُ الْأَوَّلُ:
رَوَى مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ»، عَنْ صَيْفِيِّ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ، قَالَ: فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا تَحْتَ سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ، فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ، فَقُمْتُ لِأَقْتُلَهَا، فَأَشَارَ أَبُو سَعِيدٍ أَنِ اجْلِسْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ صِلَاتِهِ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ فَقَالَ: تَرَى هَذَا الْبَيْتَ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ فَتًى حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَرَأَى امْرَأَتَهُ وَاقِفَةً بَيْنَ النَّاسِ، فَأَدْرَكَتْهُ غَيْرَةٌ فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ لِيَطْعَنَهَا بِسَبَبِ الْغَيْرَةِ فَقَالَتْ: لَا تَعْجَلْ حَتَّى تَدْخُلَ وَتَنْظُرَ مَا فِي بَيْتِكَ، فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِحَيَّةٍ مُطَوِّقَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ فَرَكَزَ فِيهَا رُمْحَهُ فَاضْطَرَبَتِ الْحَيَّةُ فِي رَأْسِ الرُّمْحِ وَخَرَّ الْفَتَى مَيِّتًا، فَمَا نَدْرِي أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا: الْفَتَى أَمِ الْحَيَّةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَمَنْ بَدَا لَكُمْ مِنْهُمْ فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ.
الْخَبَرُ الثَّانِي:
رَوَى مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَأَى عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ يَطْلُبُهُ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ كُلَّمَا الْتَفَتَ رَآهُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ ﵇: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا قُلْتَهُنَّ طفئت شعلته

1 / 83