36

Les clés de l'invisible

مفاتيح الغيب

Maison d'édition

دار إحياء التراث العربي

Numéro d'édition

الثالثة

Année de publication

١٤٢٠ هـ

Lieu d'édition

بيروت

Genres

Tafsir
وَهِيَ مَا تَكُونُ حَرَكَةً وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ فِي الْحِسِّ لَهَا مَبْدَأٌ، وَتُسَمَّى الْحَرَكَةَ الْمَجْهُولَةَ، وَبِهَا قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ [الْبَقَرَةِ: ٥٤] مُخْتَلَسَةَ الْحَرَكَةِ مِنْ بَارِئِكُمْ وَغَيْرَ ظَاهِرَةٍ بِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: لَمَّا كَانَ الْمَرْجِعُ بِالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَى أَصْوَاتٍ مَخْصُوصَةٍ لَمْ يَجِبِ الْقَطْعُ بِانْحِصَارِ الْحَرَكَاتِ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، قَالَ ابْنُ جِنِّي اسْمُ الْمِفْتَاحِ بِالْفَارِسِيَّةِ- وهو كليد- لَا يُعْرَفُ أَنَّ أَوَّلَهُ مُتَحَرِّكٌ أَوْ سَاكِنٌ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ قَالَ: دَخَلْتُ بَلْدَةً فَسَمِعْتُ أَهْلَهَا يَنْطِقُونَ بِفَتْحَةٍ غَرِيبَةٍ لَمْ أَسْمَعْهَا قَبْلُ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْهَا وَأَقَمْتُ هُنَاكَ أَيَّامًا فَتَكَلَّمْتُ أَيْضًا بِهَا، فَلَمَّا فَارَقْتُ تِلْكَ الْبَلْدَةَ نَسِيتُهَا.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: الْحَرَكَةُ الْإِعْرَابِيَّةُ مُتَأَخِّرَةٌ عَنِ الْحَرْفِ تَأَخُّرًا بِالزَّمَانِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحُرُوفَ الصُّلْبَةَ كَالْبَاءِ وَالتَّاءِ وَالدَّالِ وَأَمْثَالِهَا إِنَّمَا تَحْدُثُ فِي آخِرِ زَمَانِ حَبْسِ النَّفَسِ وَأَوَّلِ إِرْسَالِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ فَاصِلَ مَا بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ غَيْرُ مُنْقَسِمٍ، وَالْحَرَكَةُ صَوْتٌ يَحْدُثُ عِنْدَ إِرْسَالِ النَّفَسِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ الْآنَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ فَالْحَرْفُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْحَرَكَةِ. الثَّانِي: أَنَّ الْحُرُوفَ الصُّلْبَةَ لَا تَقْبَلُ التَّمْدِيدَ، وَالْحَرَكَةُ قَابِلَةٌ لِلتَّمْدِيدِ، فَالْحَرْفُ وَالْحَرَكَةُ لَا يُوجَدَانِ مَعًا لَكِنَّ الْحَرَكَةَ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَى الْحَرْفِ، فَبَقِيَ أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْحَرَكَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: الْحَرَكَاتُ أَبْعَاضٌ مِنْ حُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ، الْأَوَّلُ: أَنَّ حُرُوفَ الْمَدِّ وَاللِّينِ قَابِلَةٌ لِلزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَهُ طَرَفَانِ، وَلَا طَرَفَ لَهَا فِي النُّقْصَانِ إِلَّا هَذِهِ الْحَرَكَاتُ، الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ إِذَا مَدَدْنَاهَا ظَهَرَتْ حُرُوفُ الْمَدِّ وَاللِّينِ فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ لَيْسَتْ إِلَّا أَوَائِلَ تِلْكَ الْحُرُوفِ، الثَّالِثُ: لَوْ لَمْ تَكُنِ الْحَرَكَاتُ أَبْعَاضًا لِهَذِهِ الْحُرُوفِ لَمَا جَازَ الِاكْتِفَاءُ بِهَا لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُخَالِفَةً لَهَا لَمْ تَسُدَّ مَسَدَّهَا فَلَمْ/ يَصِحَّ الِاكْتِفَاءُ بِهَا مِنْهَا بِدَلِيلِ اسْتِقْرَاءِ الْقُرْآنِ وَالنَّثْرِ وَالنَّظْمِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَبْ أَنَّ إِبْدَالَ الشَّيْءِ مِنْ مُخَالِفِهِ الْقَرِيبِ مِنْهُ جَائِزٌ إِلَّا أَنَّ إِبْدَالَ الشَّيْءِ مِنْ بَعْضِهِ أَوْلَى، فوجب حمل الكلام عليه.
الابتداء بالساكن:
المسألة الحادية عشرة [الابتداء بالساكن]: الِابْتِدَاءُ بِالْحَرْفِ السَّاكِنِ مُحَالٌ عِنْدَ قَوْمٍ، وَجَائِزٌ عِنْدَ آخَرِينَ، لِأَنَّ الْحَرَكَةَ عِبَارَةٌ عَنِ الصَّوْتِ الَّذِي يَحْصُلُ التَّلَفُّظُ بِهِ بَعْدَ التَّلَفُّظِ بِالْحَرْفِ، وَتَوْقِيفُ الشَّيْءِ عَلَى مَا يَحْصُلُ بَعْدَهُ مُحَالٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أَثْقَلُ الْحَرَكَاتِ الضَّمَّةُ، لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِضَمِّ الشَّفَتَيْنِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِعَمَلِ الْعَضَلَتَيْنِ الصُّلْبَتَيْنِ الْوَاصِلَتَيْنِ إِلَى طَرَفَيِ الشَّفَةِ، وَأَمَّا الْكَسْرَةُ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي تَحْصِيلِهَا الْعَضَلَةُ الْوَاحِدَةُ الْجَارِيَةُ، ثُمَّ الْفَتْحَةُ يَكْفِي فِيهَا عَمَلٌ ضَعِيفٌ لِتِلْكَ الْعَضَلَةِ، وَكَمَا دَلَّتْ هَذِهِ الْمَعَالِمُ التَّشْرِيحِيَّةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَالتَّجْرِبَةُ تُظْهِرُهُ أَيْضًا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَالَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ أَمْزِجَةِ الْبُلْدَانِ، فَإِنَّ أَهْلَ أَذْرَبِيجَانَ يَغْلِبُ عَلَى جَمِيعِ أَلْفَاظِهِمْ إِشْمَامُ الضَّمَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْبِلَادِ يَغْلِبُ عَلَى لُغَاتِهِمْ إِشْمَامُ الْكَسْرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثَةُ مَعَ السُّكُونِ إِنْ كَانَتْ إِعْرَابِيَّةً سُمِّيَتْ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ أَوِ الْخَفْضِ وَالْجَزْمِ، وَإِنْ كَانَتْ بِنَائِيَةً سُمِّيَتْ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَالْوَقْفِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: ذَهَبَ قُطْرُبٌ إِلَى أَنَّ الْحَرَكَاتِ الْبِنَائِيَّةَ مِثْلُ الْإِعْرَابِيَّةِ، وَالْبَاقُونَ خَالَفُوهُ، وَهَذَا الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّمَاثُلِ إِنْ كَانَ هُوَ التَّمَاثُلَ فِي الْمَاهِيَّةِ فَالْحِسُّ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ

1 / 56