Les clés de l'invisible
مفاتيح الغيب
Maison d'édition
دار إحياء التراث العربي
Édition
الثالثة
Année de publication
١٤٢٠ هـ
Lieu d'édition
بيروت
Genres
Tafsir
أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ هُدًى فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَصِفَاتِهِ وَإِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُطْلَقَ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ.
السُّؤَالُ الرَّابِعُ: الْهُدَى هُوَ الَّذِي بَلَغَ فِي الْبَيَانِ وَالْوُضُوحِ إِلَى حَيْثُ بَيَّنَ غَيْرَهُ، وَالْقُرْآنُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُفَسِّرِينَ مَا يَذْكُرُونَ آيَةً إِلَّا وَذَكَرُوا فِيهَا أَقْوَالًا كَثِيرَةً مُتَعَارِضَةً، وَمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ مُبَيِّنًا فِي نَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُبَيِّنًا لِغَيْرِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ هُدًى؟ قُلْنَا: مَنْ تَكَلَّمَ فِي التَّفْسِيرِ بِحَيْثُ يُورِدُ الْأَقْوَالَ الْمُتَعَارِضَةَ، وَلَا يُرَجِّحُ وَاحِدًا مِنْهَا عَلَى الْبَاقِي يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ هُوَ هَذَا السُّؤَالُ، وَأَمَّا نَحْنُ فَقَدَ رَجَّحْنَا وَاحِدًا عَلَى الْبَوَاقِي بِالدَّلِيلِ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْنَا هَذَا السُّؤَالُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ»: مَحَلُّ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الرَّفْعُ، لِأَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ خَبَرٌ مَعَ لَا رَيْبَ فِيهِ لِ ذلِكَ، أَوْ مُبْتَدَأٌ إِذَا جُعِلَ الظَّرْفُ الْمُتَقَدِّمُ خَبَرًا عَنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ عَلَى الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الْإِشَارَةُ، أَوِ الظَّرْفُ، وَالَّذِي هُوَ أَرْسَخُ عِرْقًا فِي الْبَلَاغَةِ أَنْ يَضْرِبَ عَنْ هَذَا الْمَجَالِ صَفْحًا، وَأَنْ يُقَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: الم جُمْلَةٌ بِرَأْسِهَا، أَوْ طَائِفَةٌ من حروف المعجم مستقلة بنفسها، وذلِكَ الْكِتابُ جملة ثانية، ولا رَيْبَ فِيهِ ثالثة وهُدىً لِلْمُتَّقِينَ رَابِعَةٌ وَقَدْ أُصِيبَ بِتَرْتِيبِهَا مَفْصِلُ الْبَلَاغَةِ وَمُوجِبُ حُسْنِ النَّظْمِ، حَيْثُ جِيءَ بِهَا مُتَنَاسِقَةً هَكَذَا مِنْ غَيْرِ حَرْفِ نَسَقٍ، وَذَلِكَ لِمَجِيئِهَا مُتَآخِيَةً آخِذًا بَعْضُهَا بِعُنُقِ بَعْضٍ، وَالثَّانِيَةُ مُتَّحِدَةٌ بِالْأُولَى وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى الثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعَةِ.
بَيَانُهُ: أَنَّهُ نُبِّهَ أَوَّلًا عَلَى أَنَّهُ الْكَلَامُ الْمُتَحَدَّى بِهِ، ثُمَّ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ الْكِتَابُ الْمَنْعُوتُ بِغَايَةِ الْكَمَالِ/ فَكَانَ تَقْرِيرُ الْجِهَةِ التَّحَدِّي، ثُمَّ نَفَى عَنْهُ أَنْ يَتَشَبَّثَ بِهِ طَرَفٌ مِنَ الرَّيْبِ، فَكَانَ شَهَادَةً بِكَمَالِهِ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، فَقَرَّرَ بِذَلِكَ كَوْنَهُ يَقِينًا لَا يَحُومُ الشَّكُّ حَوْلَهُ، ثُمَّ لَمْ يَخْلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ أَنْ رُتِّبَتْ هَذَا التَّرْتِيبَ الْأَنِيقَ مِنْ نُكْتَةٍ، فَفِي الْأُولَى الْحَذْفُ وَالرَّمْزُ إِلَى الْغَرَضِ بِأَلْطَفِ وَجْهٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَا فِي التَّعْرِيفِ مِنَ الْفَخَامَةِ، وَفِي الثَّالِثَةِ مَا فِي تَقْدِيمِ الرَّيْبِ عَلَى الظَّرْفِ، وَفِي الرَّابِعَةِ الْحَذْفُ وَوَضْعُ الْمَصْدَرِ- الَّذِي هُوَ هُدًى- مَوْضِعَ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ هادٍ، وإيراده منكرًا.
[سورة البقرة (٢): آية ٣]
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)
اعْلَمْ أَنَّ فِيهِ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ»: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ إِمَّا مَوْصُولٌ بِالْمُتَّقِينَ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ مَجْرُورَةٌ، أَوْ مَنْصُوبٌ أَوْ مَدْحٌ مَرْفُوعٌ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ، أَوْ هُمُ الَّذِينَ، وَإِمَّا مُنْقَطِعٌ عَنِ الْمُتَّقِينَ مرفوع على الابتداء مخبر عنه ب أُولئِكَ عَلى هُدىً فَإِذَا كَانَ مَوْصُولًا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْمُتَّقِينَ حَسَنًا غَيْرَ تَامٍّ، وَإِذَا كَانَ مُنْقَطِعًا كَانَ وَقْفًا تَامًّا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالتَّفْسِيرِ لِكَوْنِهِمْ مُتَّقِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَّقِيَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فَاعِلًا لِلْحَسَنَاتِ وَتَارِكًا لِلسَّيِّئَاتِ، أَمَّا الْفِعْلُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلَ الْقَلْبِ- وَهُوَ قَوْلُهُ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ- وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلَ الْجَوَارِحِ، وَأَسَاسُهُ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بَدَنِيَّةً وَأَجَلُّهَا الصَّلَاةُ، أَوْ مَالِيَّةً، وَأَجَلُّهَا الزَّكَاةُ، وَلِهَذَا
سَمَّى الرَّسُولُ ﵇: «الصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ، وَالزَّكَاةُ قَنْطَرَةُ الْإِسْلَامِ»
وَأَمَّا التَّرْكُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ
2 / 269