Les clés de l'invisible
مفاتيح الغيب
Maison d'édition
دار إحياء التراث العربي
Numéro d'édition
الثالثة
Année de publication
١٤٢٠ هـ
Lieu d'édition
بيروت
Genres
Tafsir
وَالْآخِرِينَ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِقَطْرَةٍ مِنْ بَحْرِهَا وَشُعْلَةٍ مِنْ شَمْسِهَا، فَسُبْحَانَ الْخَالِقِ الْمُدَبِّرِ بِالْحِكْمَةِ الْبَاهِرَةِ والقدرة الغير متناهية.
الكلام اللساني المسألة الثالثة والأربعون [الكلام اللساني]: ظَهَرَ بِمَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ إِلَّا الِاصْطِلَاحُ مِنَ النَّاسِ عَلَى جَعْلِ هَذِهِ الْأَصْوَاتِ الْمُقَطَّعَةِ وَالْحُرُوفِ الْمُرَكَّبَةِ مُعَرِّفَاتٍ لِمَا فِي الضَّمَائِرِ، وَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ تَوَاضَعُوا عَلَى جَعْلِ أَشْيَاءَ غَيْرِهَا مُعَرِّفَاتٍ لِمَا فِي الضَّمَائِرِ لَكَانَتْ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ كَلَامًا أَيْضًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْكَلَامُ صِفَةً حَقِيقِيَّةً مِثْلَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، بَلْ أَمْرًا وَضْعِيًّا اصْطِلَاحِيًّا، وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْبَابِ: أَنَّ الْكَلَامَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ مَخْصُوصٍ يَفْعَلُهُ الْحَيُّ الْقَادِرُ لِأَجْلِ أَنْ يُعَرِّفَ غَيْرَهُ مَا فِي ضَمِيرِهِ مِنَ الْإِرَادَاتِ وَالِاعْتِقَادَاتِ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَوْنِ الْإِنْسَانِ مُتَكَلِّمًا بِهَذِهِ الْحُرُوفِ مُجَرَّدُ كَوْنِهِ فَاعِلًا لَهَا لِهَذَا الْغَرَضِ الْمَخْصُوصِ، وَأَمَّا الْكَلَامُ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالنَّفْسِ فَهِيَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ كَالْعُلُومِ وَالْقُدَرِ وَالْإِرَادَاتِ.
الكلام النفسي والذهني:
المسألة الرابعة والأربعون [الكلام النفسي والذهني]: لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ دَلَائِلُ عَلَى مَا فِي الضَّمَائِرِ وَالْقُلُوبِ، وَالْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ هُوَ الْإِرَادَاتُ وَالِاعْتِقَادَاتُ أَوْ نَوْعٌ آخَرُ، قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: صِيغَةُ «افْعَلْ» لَفْظَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِإِرَادَةِ الْفِعْلِ، وَصِيغَةُ الْخَبَرِ لَفْظَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِتَعْرِيفِ أَنَّ ذَلِكَ القائل يعتقد أن الأمر لفلاني كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: الطَّلَبُ النَّفْسَانِيُّ مُغَايِرٌ لِلْإِرَادَةِ، وَالْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ أَمْرٌ مُغَايِرٌ لِلِاعْتِقَادِ، أَمَّا بَيَانُ أَنَّ الطَّلَبَ النَّفْسَانِيَّ مُغَايِرٌ لِلْإِرَادَةِ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى/ أَمَرَ الْكَافِرَ بِالْإِيمَانِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَمْ يُرِدْ مِنْهُ الْإِيمَانَ، وَلَوْ أَرَادَهُ لَوَقَعَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّ قُدْرَةَ الْكَافِرِ إِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْكُفْرِ كَانَ خَالِقُ تِلْكَ الْقُدْرَةِ مُرِيدًا لِلْكُفْرِ، لِأَنَّ مُرِيدَ الْعِلَّةِ مُرِيدٌ لِلْمَعْلُولِ، وَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ امْتَنَعَ رُجْحَانُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ، وَذَلِكَ الْمُرَجَّحُ إِنْ كَانَ مِنَ العبد عاد التقسيم الأول فيه، وَإِنْ كَانَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَجْمُوعُ الْقُدْرَةِ مَعَ الدَّاعِيَةِ مُوجِبًا لِلْكُفْرِ، وَمُرِيدُ الْعِلَّةِ مُرِيدٌ لِلْمَعْلُولِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى مُرِيدُ الْكُفْرِ مِنَ الْكَافِرِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِأَنَّ الْكَافِرَ يَكْفُرُ وَحُصُولُ هَذَا الْعِلْمِ ضِدٌّ لِحُصُولِ الْإِيمَانِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ، وَالْعَالِمُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ لَا يَكُونُ مُرِيدًا لَهُ، فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الْكَافِرَ بِالْإِيمَانِ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ مِنْهُ الْإِيمَانَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِعْلَ شَيْءٍ آخَرَ سِوَى الْإِرَادَةِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْحُكْمَ الذِّهْنِيَّ مُغَايِرٌ لِلِاعْتِقَادِ وَالْعِلْمِ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ: الْعَالَمُ قَدِيمٌ فَمَدْلُولُ هَذَا اللَّفْظِ هُوَ حُكْمُ هَذَا الْقَائِلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ بِلِسَانِهِ هَذَا مَعَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَالَمَ لَيْسَ بِقَدِيمٍ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْحُكْمَ الذِّهْنِيَّ حَاصِلٌ، وَالِاعْتِقَادَ غَيْرُ حاصل، فالحكم الذهني مغاير للاعتقاد.
مدلولات الألفاظ المسألة الخامسة والأربعون [مدلولات الألفاظ]: مَدْلُولَاتُ الْأَلْفَاظِ قَدْ تَكُونُ أَشْيَاءَ مُغَايِرَةً لِلْأَلْفَاظِ: كَلَفْظَةِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَقَدْ تَكُونُ مَدْلُولَاتُهَا أَيْضًا أَلْفَاظًا كَقَوْلِنَا: اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ، وَعَامٌّ، وَخَاصٌّ، وَمُجْمَلٌ، وَمُبَيَّنٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ أَسْمَاءٌ وَمُسَمَّيَاتُهَا أيضا ألفاظ.
1 / 40