105

Les clés de l'invisible

مفاتيح الغيب

Maison d'édition

دار إحياء التراث العربي

Numéro d'édition

الثالثة

Année de publication

١٤٢٠ هـ

Lieu d'édition

بيروت

Genres

Tafsir
دلائل مثبتي الصفات:
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي دَلَائِلِ مُثْبِتِي الْقَوْلِ بِالصِّفَاتِ: اعْلَمْ أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ إِلَهَ الْعَالَمِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا قَادِرًا حَيًّا، فَنَقُولُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ نَفْسَ تِلْكَ الذَّاتِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّا نُدْرِكُ تَفْرِقَةً ضَرُورِيَّةً بَدِيهِيَّةً بَيْنَ قَوْلِنَا: ذَاتُ اللَّهِ ذَاتٌ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا: ذَاتُ اللَّهِ عَالِمَةٌ قَادِرَةٌ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ عَالِمًا قَادِرًا لَيْسَ نَفْسَ تِلْكَ الذَّاتِ. الثَّانِي: أَنَّهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مَوْجُودًا مَعَ الذُّهُولِ عَنْ كَوْنِهِ قَادِرًا وَعَالِمًا، وَكَذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يُعْلَمَ كَوْنُهُ قَادِرًا مَعَ الذُّهُولِ عَنْ كَوْنِهِ عَالِمًا، وَبِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ عَالِمًا قَادِرًا لَيْسَ نَفْسَ تِلْكَ الذَّاتِ، الثَّالِثُ: أَنَّ كَوْنَهُ عَالِمًا عَامُّ التَّعَلُّقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَاجِبِ وَالْمُمْتَنِعِ وَالْمُمْكِنِ، وَكَوْنُهُ قَادِرًا لَيْسَ عَامَّ التَّعَلُّقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْجَائِزِ فَقَطْ، وَلَوْلَا/ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَبَيْنَ الْقُدْرَةِ وَإِلَّا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، الرَّابِعُ: أَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى قَادِرًا يُؤَثِّرُ فِي وُجُودِ الْمَقْدُورِ، وَكَوْنُهُ عَالِمًا لَا يُؤَثِّرُ، وَلَوْلَا الْمُغَايَرَةُ وَإِلَّا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَنَا: مَوْجُودٌ، يُنَاقِضُهُ قَوْلُنَا: لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَلَا يُنَاقِضُهُ قَوْلُنَا: لَيْسَ بِعَالِمٍ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ بِقَوْلِنَا: لَيْسَ بِمَوْجُودٍ مُغَايِرٌ لِلْمَنْفِيِّ بِقَوْلِنَا: لَيْسَ بِعَالِمٍ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي كَوْنِهِ قَادِرًا.
فَهَذِهِ دَلَائِلُ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْإِقْرَارِ بِوُجُودِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى، إِلَّا أَنَّهُ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَاتُ صِفَاتٍ نِسْبِيَّةً وَإِضَافِيَّةً فَالْمَعْنَى مِنْ «كَوْنِهِ قَادِرًا» كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِيجَادُ، وَتِلْكَ الصِّحَّةُ مُعَلَّلَةٌ بِذَاتِهِ، وَ«كَوْنُهُ عَالِمًا» مَعْنَاهُ الشُّعُورُ وَالْإِدْرَاكُ، وَذَلِكَ حَالَةٌ نِسْبِيَّةٌ إِضَافِيَّةٌ، وَتِلْكَ النِّسْبِيَّةُ الْحَاصِلَةُ مُعَلَّلَةٌ بِذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ، وَهَذَا تَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّا إِذَا قُلْنَا بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ فَنَقُولُ: الصِّفَةُ الْحَقِيقِيَّةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ صِفَةً يَلْزَمُهَا حُصُولُ النِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ، وَهِيَ مِثْلُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، فَإِنَّ العلم صفة يلزمها كونها متعلقة بالمعلوم، وَالْقُدْرَةَ صِفَةٌ يَلْزَمُهَا صِحَّةُ تَعَلُّقِهَا بِإِيجَادِ الْمَقْدُورِ، فَهَذِهِ الصِّفَاتُ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقِيَّةً إِلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا لَوَازِمُ مِنْ بَابِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ.
أَمَّا الصِّفَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الْعَارِيَةُ عَنِ النِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَتْ إِلَّا صِفَةَ الْحَيَاةِ فَلْنَبْحَثْ عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ فَنَقُولُ: قَالَتِ الْفَلَاسِفَةُ: الحي هو الدارك الْفَعَّالُ، إِلَّا أَنَّ الدِّرَاكِيَّةَ صِفَةٌ نِسْبِيَّةٌ وَالْفَعَّالِيَّةَ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ الْحَيَاةُ صِفَةً مُغَايِرَةً لِلْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ إِنَّهَا صِفَةٌ بِاعْتِبَارِهَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا قَادِرًا، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّ الذَّوَاتِ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الذَّاتِيَّةِ وَمُخْتَلِفَةٌ فِي هَذِهِ الصِّحَّةِ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ تِلْكَ الذَّوَاتُ مُخْتَلِفَةً فِي قَبُولِ صِفَةِ الْحَيَاةِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً لِأَجْلِ صِفَةٍ زَائِدَةٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: قَدْ دَلَلْنَا عَلَى أَنَّ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الذَّوَاتِ لِذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ، فَسَقَطَ هَذَا الدَّلِيلُ، وَأَيْضًا الذوات مختلفة في قبول صفة الحياة، فوجب أَنْ يَكُونَ صِحَّةُ قَبُولِ الْحَيَاةِ لِصِفَةٍ أُخْرَى، وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وَلَا جَوَابَ عَنْهُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ تِلْكَ الصِّحَّةَ مِنْ لَوَازِمِ الذَّاتِ الْمَخْصُوصَةِ فَاذْكُرُوا هَذَا الْكَلَامَ فِي صِحَّةِ الْعَالِمِيَّةِ، وَقَالَ قَوْمٌ ثَالِثٌ:
مَعْنَى كَوْنِهِ حَيًّا أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقْدِرَ وَيَعْلَمَ، فَهَذَا عِبَارَةٌ عَنْ نَفْيِ الِامْتِنَاعِ، وَلَكِنَّ الِامْتِنَاعَ عَدَمٌ، فَنَفْيُهُ يَكُونُ عَدَمًا لِلْعَدَمِ، فَيَكُونُ ثُبُوتًا، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذَا مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الثُّبُوتُ هُوَ تِلْكَ الذَّاتُ الْمَخْصُوصَةُ؟ فَإِنْ قَالُوا: الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّا نَعْقِلُ تِلْكَ الذَّاتَ مَعَ الشَّكِّ فِي كَوْنِهَا حَيَّةً، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَوْنُهَا حَيَّةً

1 / 125