الْأَئِمَّة الَّذين دونوا وألفوا ثمَّ هيأ الله لَهُ أتباعا وأصحابا سلكوا فِي رواياته مَسْلَك الِاجْتِهَاد كَمَا تعلمه مِمَّا سَيَأْتِي وألفوا فِي ذَلِك المطولات والمتوسطات والمختصرات فجزاهم الله خيرا غير أَنهم تركُوا اصْطِلَاحَات مُتَفَرِّقَة فِي غُضُون الْكتب لَا يعلمهَا إِلَّا المتقنون وسلكوا مسالك لَا يُدْرِكهَا إِلَّا المحصلون وَأصَاب هَذَا الْمَذْهَب مَا أصَاب غَيره من تشَتت كتبه حَتَّى آلت إِلَى الاندراس وأكب النَّاس على الدُّنْيَا فنظروا إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ منهل سنة وَفقه صَحِيح لَا مورد مَال فهجره كثير مِمَّن كَانَ مُتبعا لَهُ رَجَاء طلب قَضَاء أَو وَظِيفَة فَمن ثمَّ تقلص ظله من بِلَادنَا السورية وخصوصا فِي دمشق إِلَّا قَلِيلا وأشرق نوره فِي الْبِلَاد النجدية من جَزِيرَة الْعَرَب وهب قوم كرام مِنْهُم لطبع كتبه وأنفقوا الْأَمْوَال الطائلة لإحياء هَذَا الْمَذْهَب لَا يطْلبُونَ بذلك إِلَّا وَجه الله تَعَالَى وَلَا يقصدون إِلَّا إحْيَاء مَذْهَب السّلف وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة والتابعون فجزاهم الله خيرا وَأحسن إِلَيْهِم على أَن قوما من أولي التَّقْلِيد الْأَعْمَى أسراء الْوَهم والخيالات الْفَاسِدَة وَالْجهل الْمركب يطعنون فِي أُولَئِكَ وينفرون النَّاس مِنْهُم وَمَا ذَلِك إِلَّا أَن الله أَرَادَ بأولئك الْقَوْم خيرا فاظهر لَهُم أَعدَاء لينشروا فَضلهمْ من حَيْثُ لَا يعلمُونَ ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ الشُّعَرَاء ٢٢٧ وَمَا هَؤُلَاءِ إِلَّا على حد مَا حَكَاهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن عَسَاكِر الدِّمَشْقِي فِي أَوَائِل تَارِيخه عَن أبي يحيى السكرِي قَالَ دخلت مَسْجِد دمشق فَرَأَيْت بِهِ حلقا فَقلت هَذَا بلد دخله جمَاعَة من الصَّحَابَة فملت إِلَى حَلقَة فِي صدرها شيخ جَالس فَجَلَست إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رجل أَمَامه من عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ خفاق يَعْنِي ضَعِيفا كَانَ بالعراق اجْتمعت عَلَيْهِ جمَاعَة فقصد أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يحاربه فنصره الله عَلَيْهِ قَالَ فاستعظمت ذَلِك وَقمت فَرَأَيْت فِي جَانب
1 / 45