31
في لبنان.
ونحو سنة 1756م ضرب الأمير حسين الحرفوش ضريبة فادحة على سكان قرية راس بعلبك، فعجزوا عن دفعها فحاربهم وصادرهم، فهجروا بلادهم وجاءوا زحلة ملتجئين إلى الأمراء اللمعيين. فأرسلوا وفدا منهم إليهم في الشبانية يستأذنونهم في النزول بزحلة والسكنى فيها، فأذنوا لهم بالإقامة فيها واستعمار جهتها الغربية، فبنوا حارة الراسية المنتسبة إليهم حتى الآن. وكانت الرهبانية تتساهل مع سكان هذه الحارة ، وتسهل لهم أسباب الإقامة، فتعطيهم محل البيت وتساعدهم بعماره وتقطع لهم من غاباتها الخشب لسقفه، فتكاثروا فيها وصاروا شركاء الدير، وبينهم المكارون فعمرت الجهة الغربية من زحلة.
وعلى الجملة فكان الذين من خاصة الأمراء اللمعيين يتبعون الرهبنة المخلصية، والذين من خاصة آل قيدبيه يتبعون الرهبنة الشويرية . وكانت حارة المعالفة مختصة بأمراء صليما من بني قيدبيه؛ لأنهم كانوا من عهدتهم قبل مجيئهم من كفر عقاب وكفر تيه في قضاء متن لبنان.
وسنة 1757م في شهر حزيران مات الأمير فارس اللمعي حاكم الشبانية في لبنان، فأقيم له مأتم حافل حسب عادة تلك الأيام حضره اللبنانيون وبينهم الزحليون، وكانت مناحته عظيمة عند هؤلاء؛ لأنه سعى بعمران زحلة وأحب سكانها، فحزنوا عليه كثيرا وخلفه ابنه الأمير سلمان الذي أحبهم مثل أبيه.
وسنة 1758م ارتفعت أسعار الحنطة في زحلة، وحصل ضيق شديد على سكانها، وامتد الغلاء في جميع سورية، ومات كثيرون جوعا ولا سيما في حلب.
وسنة 1759م في 19 تشرين الأول حدثت زلزلة (هزة) في الصباح، وقتل فيها كثيرون وخربت كنيسة السيدة الأرثوذكسية، فسميت بعد تجديدها بسيدة الزلزلة. وأعادت الكرة في نصف تشرين الثاني من تلك السنة بعد غياب الشمس، فأخربت بلاد بعلبك ونواحيها وجهات الشام، وقتل نحو ثلاث مائة نفس، فأضرت بأبنية زحلة مع حقارتها إذ ذاك، وهدمت كثيرا منها وقتلت بعض سكانها. وبعد أن انقطعت معاودتها رممت أبنيتها وكنائسها بمساعدة الأمراء.
وسنة 1760م تفشى طاعون جارف عم بلاد الشرق، وأفنى كثيرين في مدنها ولا سيما حلب ودمشق، وامتد إلى زحلة ولبنان، فأمات كثيرين في زحلة وفر الناس إلى الأديار والجبال العالية مذعورين، وبقوا مدة طويلة إلى أن تقلص ظله.
وسنة 1761م في 17 نيسان عادت الزلزلة في الساعة الثانية ليلا، وهدمت رأس بعلبك برمتها ودير السيدة فيها، وقتلت خلقا كثيرا بأنقاض المهدومات منها، وبينهم أربعون امرأة كن في محضن (مدخن) القز وأصاب زحلة بعض الضرر، ولجأ إليها كثير من الراسيين، فسكنوا بين مواطنيهم في حارة الراسية وغيرها.
وفيها وقع الخلاف بين الأمير قاسم ملحم الشهابي وعميه الأميرين أحمد ومنصور على الحكم، وذلك على أثر وفاة أبيه، فجاء الأمير قاسم زحلة والبقاع، ثم ذهب إلى عين دارة التي من أقطاعه وصالح عميه، وبهذه الأثناء تنصر الأمراء الشهابيون، وأول من قبل ذلك منهم الأمير عمر جد الأمير بشير الشهابي الكبير لأبيه.
Page inconnue