وأما معاملة طرابلس الشام، فقد جعلتها الدولة سنة 1579 وزارة لكسر شوكة الأمير منصور العسافي، الذي امتد ملكه سنة 1572 من جسر المعاملتين إلى حماة، وكان أول وزير تولاها يوسف باشا سيفا الكردي، ومن مقاطعاتها بلاد جبيل والبترون وجبة بشري والكورة والزاوية والضنية وعكار والحصن وصافيتا.
وكانت ولاية لبنان بزمن الأمير فخر الدين المعني الشهير قد امتدت من حدود حلب إلى تخوم القدس، وسمي سلطان البر وذلك سنة 1624م، واشتهر بحروبه مع بني سيفا والحرفوشيين وغيرهم من المجاورين، على أن لبنان كان يتسع ويضيق بحسب نفوذ حكامه وسطوتهم، حتى اتصل بعجلون وحوران وغيرهما.
أما مدينة كرك نوح القديمة التي كانت زحلة إحدى مستعمراتها، فكان الأمراء الحرافشة قد بنوا فيها وفي قب إلياس وسرعين ومشغره دورهم، واتخذوها بعد بعلبك حواضر لولايتهم البعلبكية. فلما اعتدى الأمير يونس الحرفوشي على الشوفيين «نسبة إلى جبل الشوف في لبنان»، الذين كانوا يزرعون في البقاع أراضي اشتروها من زمن الأمير منصور فروخ
17
ومنعهم من زراعتها، وضبط للأمير علي المعني تل النمورة عند قب إلياس وكان مختصا به. استاء المعنيون من الحرفوشيين، وطردهم الأمير فخر الدين المعني من كرك نوح سنة 1621م، وسنة 1622 تحصن الأمير يونس الحرفوشي في قبر نوح بالكرك، ومعه نحو مائة من سكانه، فحاصرهم الأمير فخر الدين، وقتل من الحرفوشيين نحو 40 ومن رجاله خمسة، واستولى على الكرك. وأحرقها في اليوم الثاني حتى لم يبق فيها بيت، فخربت من ذلك الحين، وصارت هي وزحلة وضواحيهما مغارس للكروم، ثم سكنها بعض الشيعيين هي ومشارف زحلة، ولكنها لم تكن إذ ذاك إلا مزارع صغيرة لا شأن لها، وكانت زحلة غابات غبياء على ضفتي النهر تسمى بوادي النمورة؛ لكثرة النمر فيها. وكثيرا ما كان يقصدها أمراء لبنان وبعلبك ووادي التيم للصيد والتنزه.
فلم يتنفس صبح العقد الأول من القرن الثامن عشر، حتى كانت زحلة بيد الأمراء اللمعيين الذين مر ذكرهم. وكان اللمعيون إذ ذاك من الطائفة الدرزية كما مر، فقويت شوكة الدروز فيها وفي البقاع، وكثر فيها أهل المتن من مقاطعة اللمعيين من دروز ومسيحيين. وكان في زحلة لكل أمير منهم حوش
18
يسمى باسمه وهي ثلاثة أحواش إذ ذاك؛ حوش الأمير مراد من أمراء قرنايل، وفالوغا وموقعه محل دار المرحوم يوسف حجي الآن، قرب كنيسة سيدة الزلزلة الأرثوذكسية، وحوش الأمير يوسف قرب كنيسة القديس إلياس «للمخلصيين» غربي حوش الأمير مراد، وشماليه حوش الحواطمة،
19
فكان الأرثوذكس قد بنوا كنيسة سيدة الزلزلة قرب محلة البيادر؛ لإقامة فروضهم الدينية، فهذه حالة زحلة في آخر الربع الأول من القرن الثامن عشر.
Page inconnue