حوادث زحلة القديمة
لا خفاء أن زحلة موقعها في غربي البقاع متجهة إليه وشئونها القديمة متعلقة بتأريخه. فلهذا أفردت هذه المقالة لسهل البقاع، مسترسلا فيها إلى سهل بعلبك عند مسيس الحاجة والعلاقة، وذلك تمهيدا لوصف حوادث زحلة قبل تدميرها، ثم تجديدها في أوائل القرن الثامن عشر للميلاد.
موقع سهل البقاع بين الدرجة 33 والدقيقة 20 والدرجة 54 والدقيقة 40 من العرض. سماه العبرانيون باسم عميق
1
والمصريون باسم رتنو، ودعي آرام صوبة وبقعة آون وبقعة لبنان ومملكة رحوب ووادي لبنان وفينيقية لبنان، وسماه اليونان سورية المجوفة
Coele-Syria
ومرسياس أو ماسياس،
2
والرومان دعوه أهراء رومية؛ لأنهم ملئوا مخازنهم من غلالة الخصيبة الوافرة، وذكره بعض مؤرخي العرب باسم مرج الروم وسهل نوح. وهو منفرج بين جبلي لبنان الشرقي والغربي، وإلى شماليه سهل بعلبك. والمرجح أن هذا الانفراج نجم عن حادث جيولوجي قديم، فصل الجبلين المذكورين الشرقي والغربي بعد أن كانا جبلا واحدا، فكون ذلك الانفصال حوضا بينهما هو الغور السهلي الذي ملأته السيول أتربة مجروفة من القمم والمشارف والأسناد، فصار سهلا خصيبا فسيحا. ولن تزال الأمطار تحمل إليه الأتربة. وموقعه في سورية المتوسطة التي تبتدئ من مدخل حماه شمالا، وتنتهي في جنوبي مدينة صور جنوبا. ومن أمهات مدنها الداخلية، حمص وتدمر ودمشق وبعلبك وخلقيس (عنجر). ومن أهم مدنها الساحلية طرابلس والبترون وجبيل وبيروت وصيداء وصور.
هذا في تقسيم سورية الطبيعي. أما في التقسيم الإداري فإن هذا السهل اليوم هو من ولاية سورية، يحدق به لبنان الشرقي والمنخفض السلسلة القليل العمران والسكان والخصب في غربيه؛ لكثرة انحداره وأقصى علوه في طرفه الجنوبي، حيث يرتفع جبل الشيخ 2800 متر عن سطح البحر. ويتصل بلبنان الغربي الذي هو أكثر ارتفاعا من الشرقي، وأوفر عمرانا وخصبا وسكانا ولا سيما في غربيه، فهو يخالف شقيقه بعض المخالفة. وأعلى رءوسه المشرفة على هذا السهل جبل المنيطرة فوق اليمونة، الذي يعلو 9500 قدم، وجبل الكنيسة فوق جديتا وبوارش المرتفع نحو 6650 قدما، وجبل الباروك فوق عميق المرتفع نحو ذلك. وفي سهل البقاع نحو سبعين قرية، منها بضع عشرة مرزعة صغيرة، وسكانه نحو خمسة عشر ألف ذكر. ومجموعهم نحو ثلاثين ألفا ونيف معظمهم من المسلمين، فالمسيحيين وبينهم بعض الشيعيين (المتاولة) في مشغره وضواحيها، ومساحة أرضه نحو أربع مائة ألف فدان (والفدان ألف وستمائة ذراع مربعة)، وأكثره سباخ ولا سيما في السنين الماطرة.
Page inconnue