وكان فيها قديما أيام كانت الغابات تظللها والحراج تشتبك في واديها وسفوحه وأسناده ومشارفه؛ كثير من السبع والنمر والضبع والفهد والعقاب والنسر والحدأة (الشوحة) والبازي والصقر، فانقرضت بانقراضها وبقي الدب والخنزير البري والغزال. ثم قل اليوم وجودها، أما الذئب وابن آوى والنمس والقنفذ والخرز (الأرنب البري) والغرير فكثيرة.
وقد اشتهرت قديما بتربية الخيول وتأصيلها وترويضها، ولكنها اليوم لا عناية لأهلها بذلك إلا نفر منهم. ويكثر الجاموس والبقر الضخم الجثة في بساتينها، وكذلك البغال والجمال والحمير، وهي قوية الأبدان. ويربى فيها الغنم والماعز وغيرهما من الدواجن. ومن الطيور التي تقتنص في ضواحيها الحجال والسماني والزرزور واليمام (الترغل) والحمام والوروار والقطا، ويكثر فيها الدوري والسنونو معششا في الطنوف (السفارات) والصفارية أو التبشر، وتسميها العامة «الصفراية» والصفرد (أبو الحن) وغيرها. ويوجد فيها قليل من النحل، وأفضله عسلا ما تربى في أعالي المدينة إلى جهة الجبل وكذلك دود القز. ويوجد في غياضها دجاج الأرض (الشكب) والفري وبعض الطيور المائية، كالأوز والبط وغيرها مثل الغرغر (ديك الحبش) والدجاج الأهلي والكركي «الرهو» والبجع «العراق»، وغير ذلك من الطيور القواطع والأوابد. وفي ضواحيها القبرة والثليجي (سن المنجل) والهدهد، ومن الصوادح الحسون «الشويكي الجوي» والشويكي البري والخضيري، وهي ممتازة برخامة ألحانها، وفيها حيات وضباب (حراذين) وسام أبرص (أبو بريص)، ولكن العقارب لا أثر لها فيها.
هوامش
ماؤها وهواؤها
إن ماء زحلة هو من نهر البردوني «البارد» الذي ينفجر من مغارة إلى غربي قرية قاع الريم في السفح الشرقي من جبل صنين، وتلك المغارة طبيعية بديعة المنظر تتدلى من سقوفها وجدرانها حليمات من المتجمدات المائية والرواسب الكلسية، فتكون فيها مشجرات حجرية أشبه بأشجار المرجان في البحر، إلا أنها بيضاء وتنضب بعد أن تذوب الثلوج، وذلك في تموز أو بعده بقليل. ولا يخفى أن خزانات الماء في الجبال العالية هي من الثلوج التي تملأ النخاريب والأخاديد والمغاور، وتنساب في الشقوق الصخرية متخللة الأتربة إلى أن تصادف منفذا لها، فتنفجر منه أنهارا وينابيع ومترشحات.
على أن مياه البردوني ليست جميعها من تلك المغارة، ولكن في عقيق «مجرى» النهر كثيرا من الينابيع والمترشحات التي تنصب فيه، فتبقى مياهه جارية بعد ذوبان الثلوج عن القمم العالية في صنين . وكذلك على عدوتي النهر مثل ذلك، وجميعه يترشح إليه فيكون جدولا صيفيا لا تنضب مياهه إلا نادرا في سني الجفاف الشديد وقلة الأمطار والثلوج. ولا تزال مثل هذه الينابيع تمده بمائها إلى أن يصب في نهر الليطاني
1
قرب مرج عرجموش (الفيضة)، ومسافة ما بين مخرجه ومصبه نحو أربعة وعشرين كيلومترا. والمشهور أن مياه هذا النهر كانت موزعة على المدينة القديمة «التي يترجح أنها كانت في محلة البساتين»، وعلى ضواحيها مثل الكرك وتل شيحا وعلين وغيرها، لما ظهر من القساطل الخزفية العظيمة المتينة والأقنية المتوزعة في أنحاء الوادي في سفوحه وأسناده ومرتفعاته وليس ذلك بغريب؛ لأن الأقدمين كانوا يبنون مدنهم قرب المياه، وينتفعون بها لإنماء الزروع والغراس، وهم أشد حرصا منا اليوم على الزراعة واستثمار الأرض. وقد جرت منذ القديم قناتان على ضفتي النهر يسميهما العامة «السكر» وذلك للاستقاء منهما، ولإدارة الطواحين المشيدة على الجانبين. وقلما دخلت مياه النهر بيتا ووزعت عليه.
ولو كانت هذه المياه في أوروبة أو أميركة، لكان دخان المعامل التي تديرها يحجب نور الشمس والشلالات الطبيعية التي تتخذها الصناعة لتوليد الكهربائية ونحوها تملأ العين جمالا، وتستقدم السياح
2
Page inconnue