La Cité Parfaite à Travers l'Histoire
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Genres
والمدرسة في «مدينة المسيحيين» ذات حجرات واسعة جميلة: «كل شيء مفتوح، مشمس، وسعيد، حتى إنهم، عن طريق تأمل الصور، يجذبون الأطفال، ويشكلون عقول الأولاد والبنات، ويوجهون النصح للشباب. وهم لا يحترقون في (لهيب شمس) الصيف، ولا يتجمدون في الشتاء، لا تزعجهم الضوضاء، ولا تخفيهم الوحدة وكل ما يهدر في الأماكن الأخرى في الترف ولهو القصور، يكرس هنا للتسلية المحترمة والاهتمامات الشريفة، وهو استثمار (للوقت والجهد) لن تجد في أي مكان آخر أفضل منه ولا أكثر ربحا.»
وإلى جانب العناية بالمظهر الذي تبدو عليه المدرسة، فإن اختيار المعلمين ينبغي أن يحظى بعناية أكبر. «ومعلموهم ليسوا من حثالة المجتمع البشري، ولا هم ممن لا يصلحون للوظائف الأخرى، وإنما اختارهم جميع المواطنين. إنهم أشخاص لهم مكانتهم في الجمهورية، كما يصلون غالبا إلى أعلى المراكز في الدولة. والمعلمون الذين تقدموا في السن وعرف عنهم التمسك بالفضائل الأربع وهي عزة النفس، والتكامل، والنشاط، والسخاء، يتحتم عليهم أن ينهضوا بمسئولياتهم كأناس أحرار يتحلون بالشفقة، والمعاملة اللطيفة، والنزعة المتحررة، ويتجنبون التهديد والعنف والصرامة.»
وهم يحرصون على تدريب جميع الأطفال من الجنسين وعندما يتمون السادسة من عمرهم يسلمهم الآباء للدولة. ويتناولون الطعام وينامون في المدارس، ولكن الآباء يمكنهم أن يزوروا أطفالهم كلما شاءوا، حتى لو لم يسمح لهم برؤيتهم. وتتم العناية بالمساكن التي يعيشون فيها بنفس الطريقة التي اتبعت مع المدارس، وذلك لتهيئة الظروف «الصحية» لهم. «وهم يحرصون على أن يكون الطعام شهيا وصحيا، وتكون الأرائك والأسرة نظيفة ومريحة، والملابس وكل ما يكسو الجسم نظيفا. ويغتسل التلاميذ كثيرا ويستعملون مناشف من الكتان للتجفيف. ويمشط الشعر لمنع أي شيء غير نظيف من التجمع فيه. وإذا أصيب الجلد أو الجسد بالأمراض، فإن المصابين يعتنى بهم في الوقت المناسب، كما يتم عزلهم لتجنب انتشار العدوى.»
والتربية في مدينة المسيحيين موجهة لتحقيق ثلاثة أهداف، أولها، بطبيعة الحال، هو «عبادة الله بروح خالصة مخلصة»، وثانيها هو «السعي نحو الأخلاق الفاضلة العفيفة»، والثالث هو «تنمية القوى العقلية». ومن الواضح أن أندريا لم يتصور التربية بالمعنى الضيق الذي نفهمها به اليوم، وهو تحصيل المعرفة، فهو يتم بتشكيل عقل الطفل وشخصيته وتنمية ملكاته أكثر من اهتمامه بحجم المعلومات التي حصلها.
ويتابع الأولاد والبنات نفس الدروس، وإن لم يكن ذلك في نفس الوقت، فالأولاد يتلقون دروسهم في الصباح، والبنات بعد الظهر. ويكرس بقية وقتهم للتدريب اليدوي وفنون التدبير المنزلي والعلم. وتتولى المربيات مع العلماء مهمة التعليم.
وتقسم المدرسة إلى ثماني قاعات مطابقة للأقسام الثمانية للتعليم. والقسم الأول هو مدرسة الفنون، التي تقسم بدورها إلى ثلاثة أقسام تبعا لعمر التلاميذ . ويبدأ أصغر التلاميذ سنا بدراسة النحو واللغات، ويتعلمون «تسمية جميع أنواع الأشياء والأفعال بثلاث لغات هي العبرية واليونانية واللاتينية»، ولكن أندريا يؤكد لنا أنهم يحرصون على ألا يحملوا المخلوقات الرقيقة الهشة فوق طاقتها، وأن التسلية الحرة أمر مسموح به.
والتلاميذ الأكثر نضجا يتعلمون الخطابة، ليتمكنوا من تفنيد جميع أنواع الحجج طبقا لقواعد هذا الفن. ومع أنهم يتعلمون كيف يزينون خطبهم بعدد قليل من «زهور الأناقة»، فإن الاهتمام بالقوة الطبيعية يفوق عندهم الاهتمام بالشكل المصطنع. أما التلاميذ الذين بلغوا مرحلة كافية من العمر فيتعلمون كذلك اللغات الحديثة لا لكي يستزيدوا من المعرفة، بل ليستطيعوا الاتصال بشعوب كثيرة على الأرض، سواء الميتة منها أو الحية، ولا يضطرون لوضع ثقتهم في كل من يزعم أنه عالم. ولكن الاهتمام بدراسة اللغات لا ينبغي أن تكون له الأولوية على حساب الاهتمام باستخداماتها، فالمهم هو ما يريد المرء أن يقوله، وهذا شيء يمكن التعبير عنه أيضا باستخدام لغة الأم: «إذا توافرت الاستقامة والأمانة، فلا يهم كثيرا بأي لسان يعبر عنهم، وإذا غابا، فلن يزيد الإنسان فضلا حين يرطن باليونانية أو اللاتينية.»
ويلتحق الطلبة الذين حققوا بعض التقدم بالقسم الثاني، حيث يتلقون محاضرات في المنطق، والميتافيزيقا، والثيوصوفيا.
59
ويجب أن يستخدم المنطق كوسيلة لا كغاية في ذاتها: «ولا يصح أن يتباهى العامل الماهر بالمزولة أو المسبار، ما لم يكن في مقدوره أن يعرض عمله على الناس.» وفي دراسة الميتافيزيقا والثوصوفيا بصرف النظر عن أي اهتمام بالأشياء العينية الملموسة، أو بالبحث والابتكار، وتكتسب المعرفة عن طريق «التوجه للشمس الإلهية والصعود إلى الرب».
Page inconnue