La Cité Parfaite à Travers l'Histoire
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Genres
وهم يلبسون بذلتين فقط، إحداهما للعمل، والأخرى للإجازات، وهما موحدتان بالنسبة لجميع الفئات. وشكل الملبس يدل على الجنس والعمر، كما يصنع من الكتان أو الصوف تبعا لفصل الصيف أو فصل الشتاء على الترتيب، واللون واحد بالنسبة للجميع، وهو الأبيض أو الرمادي الفاتح، ولا أحد يتعامل مع الخياطين، ونظرا لأن الأطفال الذين شبوا عن الطوق ينشئون في مكان آخر، فإن العائلة تتكون في معظم الأحوال من أربعة أو خمسة، وفي حالات أقل من ستة، (وفي المتوسط) من الأب والأم وطفل أو طفلين. واللجوء إلى الخدم من الرجال أو النساء شيء نادر وغير ملحوظ، إلا في حالة رعاية المرضى، والوضع، والعناية بالرضع. والزوج والزوجة يشتركان في القيام بالواجبات العادية في البيت، كما يقومان ببقية الواجبات في المحلات العامة.»
وعلى خلاف معظم اليوتوبيات، لا توجد وجبات مشتركة في مدينة المسيحيين، ولكن هذا لا يؤدي لأي نوع من التفرقة بينهم؛ لأنهم يطبقون نظاما موحدا في التموين: «إنهم جميعا يتناولون وجباتهم الخاصة، ولكن الطعام يتم الحصول عليه من المخزن العمومي، ولأن من المستحيل في الغالب تجنب التذمر والفوضى عندما يكون عدد المشاركين في الوجبات كبيرا جدا، فإنهم يفضلون أن يتناول الأفراد طعامهم في بيوتهم. وكما أن الطعام يوزع طبقا لفصول السنة، فإن حصصه تحدد أسبوعيا تبعا لعدد العائلات. ولكن حصة النبيذ تغطي نصف العام، أو لفترة أطول من ذلك إذا سمحت الظروف. وهم يحصلون على حاجتهم من اللحم الطازج من محل اللحوم، ويأخذون منه القدر المعين لهم. والسمك ولحم الطرائد وجميع أنواع الطيور توزع عليهم وفقا لحصة كل واحد منهم، مع أخذ الوقت والسن في الاعتبار. ولديهم في العادة أربعة أطباق، تعدها النساء بعد غسلها بعناية، وتباركها بتلاوة كلمات حكيمة وورعة. ولكل إنسان الحق في استضافة من يشاء، ويمكن أن يشارك الضيوف بأطباقهم، فإذا كان الضيف أجنبيا، يطلبون من المحلات العامة تزويدهم بما هو ضروري.»
لقد كان أحد أسباب إلغاء الوجبات الخاصة في اليوتوبيات السابقة، هو أن تتفرغ النساء للقيام بمهام أكبر، كالتدريب العسكري على سبيل المثال. وكانت المرأة اليوتوبية، من أفلاطون إلى كامبانيلا، امرأة قوية قوة خارقة.
58
ولكن أندريا يعطيها دورا أنثويا خالصا، وإن لم يعاملهن معاملة «الفيكتوريين». إنه يريد أن تحافظ المرأة على مكانتها، وإذا كان يرفض أن تشارك في «التصويت»، فإنه يمنح البنات نفس حقوق الأولاد في الالتحاق بالتعليم العالي بالكليات: «تستفيد الزوجات من المعرفة التي حصلناها من المدرسة. وكل ما تنجزه الصناعة البشرية باستخدام الحرير والصوف أو الكتان، هو مادة الفنون التي تمارسها النساء كما هو في متناول أيديهن. لهذا يتعلمن الخياطة، والغزل، وأعمال الإبرة، والنسيج، والزخرفة بشتى أنواعها. ونسيج السجاد هو عملهن اليدوي، وتفصيل الملابس عملهن المنتظم، وغسيل الثياب واجبهن. وفضلا عن ذلك فهن يدبرن شئون البيت والمطبخ ويقمن بتنظيفهما. ومهما تكن طبيعة الدراسة التي تلقينها فهن يتطورن ويتحسن، بفضل مواهبهن العقلية، لا لكي يتعلمن فحسب، بل لكي يقمن في بعض الأحيان بالتعليم. وليس لهن في الكنيسة ولا مجلس الشورى صوت (مسموع)، ومع ذلك فهن يقمن بتشكيل مبادئ التقوى والأخلاق، ويتألقن بالهبات التي حبتهن السماء. إن الرب لم يضن على بنات هذا الجنس بشيء، ما دمن يتمسكن بالتقوى والورع، فمريم المباركة إلى الأبد هي أمجد قدوة لهن. ولو قرأنا تواريخ (الشعوب) لما وجدنا فضيلة واحدة لما تتخلق بها المرأة، ولا فضيلة واحدة لم تتفوق فيها، وإن كان من النادر أن تفهم الكثيرات منهن قيمة الصمت. والنساء (في مدينة المسيحيين) لا يتزين إلا بالزينة التي ذكرها (القديس) بطرس، ولا سيادة لهن إلا على الشئون المنزلية، ولا يسمح لهن بالقيام بأعمال الخدم (وهو شيء ستدهشون له) إلا إذا اقتضت ذلك ظروف المرض أو بعض الحوادث الطارئة. ولا تخجل امرأة من أداء واجباتها المنزلية، ولا تتعب أيضا من تلبية حاجات زوجها. كذلك لا يتصور أي رجل، مهما تكن الوظيفة التي يشغلها، أنه أسمى من أن يقوم بأي عمل مشرف، لأن الحكمة والعمل لا يتعارضان على الإطلاق إذا توخى المرء الاعتدال.»
وآراء أندريا عن الزواج أكثر تحفظا من اليوتوبيات السابقة. فالزواج لا يتم وفقا لمبدأ تحسين النسل، وإنما يتم استجابة للميول المتبادلة (بين الطرفين)، وذلك إذا لم يقابل بالرفض من العائلة والدولة: «لا يوجد مكان يمكن أن يوفر الأمن لإتمام الزواج فيه أكثر من هذا المكان. ولما كان خاليا من الشذوذ المرتبط بعادة تقديم العرس للمهر، ومن قلق الحاجة إلى الخبز اليومي، فلا يبقى إلا الحفاظ على قيمة الفضائل وأحيانا على قيمة الجمال. ويسمح للشباب البالغ من العمر أربعة وعشرين عاما أن يتزوج من فتاة لا يقل عمرها عن ثمانية عشر عاما، بشرط موافقة الأبوين، ومشاورة الأقارب، وتصديق القانون، ومباركة الرب. وهم يحترمون صلة الرحم احتراما كبيرا. وأهم العوامل التي تؤخذ في الاعتبار عند الارتباط الزوجي هي في الأغلب تجانس الطباع والاستقامة، بالإضافة إلى عامل آخر يندر أن نجده في أي مكان آخر، وهو تزكية التقوى (للعروسين). وأعظم الأخطاء هي الخيانة الزوجية التي تفرض القوانين على مرتكبيها عقابا قاسيا. ولكن حرصهم على تغيير الظروف (التي تساعد عليها) يمكنهم من القضاء على الخطايا. ويتم الزواج في الغالب بلا نفقات ولا ضوضاء، وهم لا يتوقعون على الإطلاق أي حماقة أو سفه دنيوي (في أثناء الاحتفالات بالزفاف التي تتم ...) بغير سكر على الإطلاق، مما تبدأ به عادة كل المراسم المقدسة في الأماكن الأخرى، وإن كانوا لا يستغنون عند إتمام الزواج من التراتيل والتهاني المسيحية. وليس لدى العروس أو لديهم ما يهدونه سوى وعود المسيح، والقدوة الطيبة المتمثلة في الأبوين، والمعرفة التي اكتسبها العروسان، والفرح والبهجة بالسلام. ويزود العروسان، مع المنزل، بالأثاث الذي يتم تسلمه من المخزن العمومي. وبهذا الأسلوب المقتصد يلخصون بشكل مأمون وسريع قصص الصلب، والعقاب، والعذاب، والتطهر وسائر ما اعتدنا أن نصف به الزيجات المشئومة لدينا.»
والهدف من الزواج هو الإنجاب، وهنا يختلف أندريا عن كامبانيلا في أنه لا يسمح بأن تكون العلاقات الجنسية من أجل المتعة وحدها: «وهم يشيدون بتعفف الزوجين ويقدرونه إلى أقصى حد، بل إنهم يشجعون عليه، حتى لا يؤذوا أنفسهم أو يصابوا بالضعف نتيجة الإسراف في المعاشرة. وإنجاب الأطفال (في رأيهم) أمر مقبول وطبيعي، ولكن المجون عار. وإذا كان غيرهم يعيشون مع بعضهم البعض كالحيوانات، فعليهم أن يخجلوا حتى من الماشية التي (لا تخلو علاقاتها) من قدر من التحفظ. وأن يراعوا السماء أولا قبل أن يراعوا الأمور الدنيوية خلال علاقات الحب والتعاون المتبادلة بينهم. وهكذا يعتقد مواطنو مدينة المسيحيين أن الزنا والتلوث قد لا يخلو منهما الزواج نفسه. فيا لأولئك الشهوانيين الذين لا يخجلون من ارتكاب الخطيئة في ظل الممارسات الشرعية وغير الشرعية!»
والدين هو النغمة الأساسية في التربية والزواج على السواء. ولا ينشأ الأطفال ليصبحوا جنودا للدولة، بل لكي يصبحوا مسيحيين صالحين. ولما كانت العائلة والدولة مرتبطتين مع الدين في وحدة واحدة. فليس ثمة ما يدعو لفصل الأطفال عن آبائهم، ونظرا لأن المواطنين جميعا متساوون، فإن نظام التربية هو نفس النظام بالنسبة لجميع الأطفال من البنين والبنات.
تطورت الآراء الخاصة بالتربية تطورا هائلا خلال عصر النهضة، وتم إنشاء عدد كبير من الأكاديميات والكليات، في إيطاليا على وجه الخصوص، التي تلقى فيها أبناء وبنات الأرستقراطيين والأغنياء تربية شاملة متحررة. ولكن أندريا لم يشغل نفسه بتربية أقلية صغيرة متميزة، أي بأبناء الأمراء والتجار والأثرياء الذين يستطيعون توفير المعلمين الخصوصيين لأبنائهم وإلحاقهم بالمدارس الخاصة. ولهذا السبب يخلو برنامجه التربوي من ذلك السحر الذي يشع من نظام تربية أهل «ثيليما» المحظوظين، وإن تميز عنه بأنه بقي في متناول الجميع.
لم تكن الأغلبية العظمى من مدارس عصره قد تأثرت أدنى تأثر بأفكار عصر النهضة، وكانت الحاجة ماسة إلى إجراء تغييرات جذرية، لا في مناهج التربية فحسب، بل في المدارس ذاتها وفي مهنة التعليم. وبقيت الظروف في عصر أندريا هي نفس الظروف التي استنكرها «إرازموس» استنكارا شديدا في كتابه «مدح الحماقة»: «ومعلمو اللغة (...) الذين يتضورون جوعا في مدارسهم وتنم هيئتهم عن القذارة الشديدة - هل قلت مدارسهم؟ بل هي بالأحرى أديرة أو إصلاحيات أو سلخانات - وقد أفنوا أعمارهم وسط الصبية حتى أصابهم الصمم من ضجيجهم، والتصقت بهم العفونة والعطن. ومع ذلك يتصورون أنفسهم أذكى وألمع من جميع الناس، ويتلذذون تلذذا شديدا بتخويف مجموعة من الأولاد المخيفين، بأصواتهم المدوية كالرعود، ونظراتهم العابسة المتجهمة، وتعذيبهم لهم بالضرب بالمساطر والعصي والسياط، وكأنهم وهم متبلدون أمامهم بلا عقل، يقلدون الحمار في جلد الأسد.»
Page inconnue