La Cité Parfaite à Travers l'Histoire
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Genres
وتطويق الأراضي بوضع اليد عليها هو أحد الأسباب الرئيسية المسئولة عن فقر الناس وتشردهم: «إن أغنامكم التي اعتادت أن تكون أليفة معتدلة الطعام كما نما إلى سمعي، أصبحت شرهة مفترسة، تلتهم الرجال أنفسهم وتدمر حقولا ومنازل ومدنا بأكملها وتلتهم سكانها. ففي جميع تلك الأجزاء من المملكة التي تنتج أرفع أنواع الصوف ومن ثم أغلاها، لا يكتفي نبلاؤكم بالدخول والأرباح السنوية، التي كانت تدرها عليهم أراضي آبائهم وأجدادهم، ولا يقنعون بأن يعيشوا في بطالة وترف، ولا يفيدون الدولة في شيء، بل يجلبون عليها الضرر الأكيد، فلا يتركون أرضا للزراعة، ويقيمون الأسوار حول كل شبر من الأرض ويحولونها إلى مراع، ويهدمون المنازل، ويدمرون المدن، ولا يتركون مكانا قائما سوى الكنيسة التي يحولونها إلى حظيرة للأغنام. وكأنكم لم تفقدوا قدرا ليس بالقليل من الأرض التي تحولت إلى غابات، وساحات صيد، فيأتي هؤلاء الرجال الطيبون ويحولون جميع الأماكن السكنية والأراضي الزراعية إلى برار وقفار. وهكذا لكي يوصل رجل شره لا يعرف الشبع - بل هو وباء على بلاده - بين حقل وآخر ويحيطها بسور واحد، إما أن يطرد المستأجرون والزراع من الأرض، فيبعدوا عنها بالغش والاحتيال، أو بالعنف والقهر، وتنزع منهم حتى ممتلكاتهم، وإما أن يصيبهم السأم والوهن من كثرة الظلم والأذى، فيضطرون إلى بيع كل شيء. وهكذا بوسيلة أو بأخرى، لا يبقى هناك مفر من أن يرحل هؤلاء البؤساء المساكين، تاركين بيوتهم، الرجال والنساء، الأزواج والزوجات، الأيتام والأرامل، الآباء بأطفالهم الصغار، وأسرا بأكملها، كثيرة الأنفس، قليلة العتاد. فما أكثر ما تحتاج إليه الزراعة من أيد. وهكذا يسيرون بخطى ثقيلة من البيوت الوحيدة التي عرفوها واعتادوها، ولا يجدون لهم مأوى آخر يذهبون إليه، ويضطرون إلى بيع جميع ما تحويه بيوتهم، مما لا قيمة كبيرة له، حتى لو بيع في أحسن الأوقات، بأبخس الأثمان، عندما يطردون فجأة من بيوتهم. وهذا القليل سرعان ما ينفقونه وهم يتنقلون من مكان إلى آخر، فماذا يفعلون، بالله عليك، سوى أن يسرقوا، ثم تنفذ فيهم العدالة كما تقول فيشنقون، أو يتحولون إلى التسول. وحتى عندئذ فسيلقى بهم في السجن بتهمة التشرد، لأنهم يتنقلون من مكان إلى آخر دون عمل. وبالرغم من أنهم يرغبون أشد الرغبة في العمل، فليس هناك من يكلفهم به. فلم يبق هناك شيء من الأعمال الزراعية التي تدربوا عليها، إذ لم تبق أرض للزراعة.»
10
ومعاقبة السرقة بالإعدام ليست شيئا غير عادل وغير مؤثر فحسب، وإنما تؤدي كذلك إلى جرائم أكبر: «فمن المؤكد أنه ما من شخص لا يعرف كم من المضحك والضار بالدولة أن تفرض نفس العقوبة على اللص والقاتل. إذ يرى اللص أنه لا يقل تعرضه للخطر إن حكم عليه بأنه لص عما إذا حكم عليه بأنه قاتل، فهذه الفكرة وحدها كفيلة بأن تدفعه إلى قتل الرجل الذي كان سيكتفي بسرعته وفضلا عن أنه لن يتعرض لخطر أكبر إذا أمسك به، فإنه سيكون أكثر أمنا بالتخلص من الرجل، وأقوى أملا في تغطية جريمته إذا لم يترك وراءه من يروي أحداثها. وهكذا، بينما نحاول إرهاب اللصوص بالقسوة المتطرفة، فإننا نغريهم على الفتك بالمواطنين الصالحين.»
11
وأنسب طريقة لمعاقبة الجريمة هي تلك التي كانت شائعة عند قدماء الرومان الذين «كانوا عندما يدان الرجال بجرائم بشعة، كان يحكم عليهم بالعمل طوال حياتهم في المحاجر وبالبحث عن المعادن في المناجم، وبأن يظلوا دائما موثقين بالأغلال.»
12
أو بالطريقة التي لجأ إليها شعب البوليليريت
13
الذين يلزمون اللصوص برد الأشياء المسروقة إلى أصحابها ثم يحكم عليهم فضلا عن ذلك بالأشغال الشاقة. «وما لم تكن السرقة فادحة، فلا يحكم عليهم بالسجن، ولا يوثقون بالأغلال.» ولكي يمنعوهم من الهرب يرتدي الجميع على حد سواء ملابس من نفس اللون. أما شعر رءوسهم فلا يحلق تماما، بل يقص بشكل مستدير فوق الأذنين ويقطع طرف أذن منهما.
ويقترح هيثلوداي ضرورة اتباع هذه الطرق في إنجلترا، ويكرر مور، متأثرا بحكمة صديقه الحميم، نصيحة جيلز بأنه يجب أن يقنع نفسه بألا يزدري العمل في بلاط الملوك، ويستشهد بأفلاطون الذي يكن له هيثلوداي إعجابا شديدا: «يرى كاتبك الأثير، أفلاطون، أن الدول لن تتحقق لها السعادة في نهاية الأمر إن لم يصبح الفلاسفة ملوكا، أو يقبل الملوك على دراسة الفلسفة. فما أبعد هذه السعادة إن لم يتنازل الفلاسفة ولو بتقديم المشورة للملوك.»
Page inconnue