La Cité Parfaite à Travers l'Histoire
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Genres
Irens . وكان «الأيريني» هو الذي أمضى سنتين بعد تخرجه من فصول (أو صفوف) الأولاد. أما المليرين
Melliren
فكان واحدا من أكبر الأولاد سنا. ويقوم هذا الأيريني - الذي بلغ العشرين من عمره - بإصدار أوامره لمن يتولى قيادتهم في معاركهم الصغيرة، كما يجبرهم على الخدمة في منزله. ويرسل أكبرهم سنا ليجلب الخشب، وأصغرهم ليجمع الأعشاب الصالحة للطبخ، فيسرقونها حيثما وجدوها، إما بالحصول عليها خفية من الحدائق، أو بالزحف بمكر وحذر تحت الموائد العامة، وإذا قبض على أحدهم، جلد بقسوة لإهماله أو افتقاره إلى البراعة، وهم يسرقون أيضا كل ما يمكنهم الحصول عليه من الطعام، ويخططون لهذا بحذق ومهارة عندما يكون الناس نياما أو عندما يتراخون في الحراسة، فإذا اكتشف أمرهم لا يعاقبون بالجلد فقط، ولكن بالجوع أيضا. والواقع أن طعام العشاء الذي كان يقدم لهم كان هزيلا على الدوام، وذلك لتمرينهم على الشجاعة والتحمل ومقاومة الطمع والنهم.
ولم يهمل الأسبرطيون تربية النساء، ولكنهم وجهوها لإصلاح أبدانهن قبل عقولهن، فقد أمر ليكورجوس بأن تتدرب العذارى على الجري، والمصارعة، والرماية، وإلقاء الرماح؛ حتى تصبح أجسادهن قوية نشيطة، ويكون أطفالهن على شاكلتهن، ويقوين في المستقبل على تحمل آلام الوضع، والولادة في أمان. «وكان من حقهن أيضا أن يمدحن الرجال أو ينقدنهم، ويقال إنهن لم يستبعدن من التكريم بألقاب الشجاعة والشرف.» ومع ذلك فليس لدينا أي دليل على أنهن كن يشاركن مشاركة مباشرة في إدارة شئون الدولة، كما هو الحال في جمهورية أفلاطون، إذ يبدو أن السلطة القوية التي اكتسبنها في الماضي، بسبب اشتراك أزواجهن في الحملات العسكرية المتكررة، قد تم كبحها بدلا من تدعيمها.
وليس لدينا الكثير مما يمكن قوله عن تنظيم العمل في أسبرطة؛ لأن الأسبرطيين كانوا أساسا طبقة مترفة، وربما كانوا هم الأمة الوحيدة التي حرم فيها العمل من الناحية الفعلية، لقد انصرفوا إلى العمل غير المنتج مثل التدريبات العسكرية، والتعليم، والتعلم، والتجارة، أما مهمة تزويدهم بالاحتياجات اليومية فتركت للعبيد (أو الهيلوت
Helots ). والواقع أن المجتمع الأسبرطي كان يقوم على نظام العبيد، وأن المواطنين البالغين كانوا محرومين من العمل بأيديهم حتى لو أرادوا ذلك، وهذه حقيقة يتجاهلها كثير من المعجبين المتحمسين لأسبرطة.
استمر نظام الأسبرطيين الصارم حتى بعد أن بلغوا مرحلة النضج، فلم يكن أي إنسان يتمتع بالحرية في أن يعيش كما يريد، إذ كانت المدينة أشبه بمعسكر واحد كبير، يسمح فيه للجميع بأمور محددة، ويعرفون واجباتهم العامة، ويقتنع كل إنسان بأنه لم يولد لنفسه بل لبلده. وإذا لم تصدر لهم أوامر معينة، فإنهم يشغلون أنفسهم بمراقبة الأولاد وتعليمهم شيئا نافعا، أو يتعلمون هم أنفسهم ممن هم أكبر منهم سنا. وكان الاستمتاع بوقت الفراغ هو أحد الامتيازات الكبرى التي منحها ليكورجوس لمواطنيه، وكان ذلك نتيجة مترتبة على منعهم من ممارسة أي حرفة آلية. ولم يكن الأمر يستحق منهم أن يبذلوا جهدا كبيرا في زيادة ثرواتهم، ما دامت الثروة عندهم عديمة القيمة. أما العبيد (الهيلوت)، الذين كانوا يحرثون الأرض، فكانوا مسئولين عن تلبية الاحتياجات المشار إليها فيما سبق. ولدينا في هذا الصدد حكاية عن أسبرطي تصادف وجوده في أثينا أثناء انعقاد المحكمة، وسمع عن رجل حكم عليه بغرامة مالية بسبب الكسل. وعندما كان هذا الرجل المسكين في طريق عودته وهو في حالة معنوية سيئة، مصحوبا بأصدقائه الذين راحوا يواسونه، طلب من مرافقيه أن يدلوه على الشخص الذي أدين بسبب محافظته على كرامته. وهكذا وصل بهم الأمر إلى حد إسقاط كل اهتمام بالفنون الحرفية، وكل رغبة في الحصول على الثروة من اعتبارهم.
وكانت الدعاوى القضائية في أسبرطة ترفع عن أصحابها مقابل دفع مبالغ نقدية. ولم يعرف الأسبرطيون الغني ولا الفقير، وإنما كانوا متساوين في الأهلية، كما كانت لديهم وسائل ميسرة وغير مكلفة لتلبية احتياجاتهم القليلة. ولهذا نجدهم في أوقات السلم يقضون وقتهم في الرقص، والاحتفالات، والصيد، أو يلتقون للقيام بالتدريبات البدنية أو تجاذب أطراف الحديث. ولم يكن أحد دون الثلاثين يذهب إلى السوق، إذ كان ذووهم وولاة أمرهم يدبرون لهم كل احتياجاتهم الضرورية. ولم يكن التسكع في الأسواق شيئا يشرف كبار السن، بل كان الأليق بهم أن يقضوا معظم النهار في مدارس التدريب أو الأماكن التي تدور فيها الأحاديث.
وأما عن مسألة العبيد فقد حدت من إعجاب بلوتارك الشديد بليكورجوس، وجرائم القتل الجماعية التي تعرض لها «الهيلوت» على أيدي الشبان الأسبرطيين كنوع من الرياضة، حتى لو افترضنا أنها تمت بعد عهد ليكورجوس، تلقي ظلالا معتمة على تنظيمات أسبرطة المثالية. وقد اضطر بلوتارك إلى الاعتراف بأن الأسبرطيين، من بعض النواحي، كانوا يعاملون عبيدهم بطريقة غير إنسانية.
كانوا أحيانا يجبرونهم على الشرب حتى يسكروا، ثم يقودونهم إلى القاعات العامة، ليبينوا للشباب أضرار السكر، وكانوا يأمرونهم بأن يغنوا أغاني وضيعة، ويرقصوا رقصات مزرية، ويفرضون عليهم ألا يخالطوا أي إنسان مهذب ورقيق. وبهذه الأساليب الدعائية الفجة، يتم الفصل بين السلالتين.
Page inconnue