La Cité Parfaite à Travers l'Histoire

Catiyat Abu Sucud d. 1450 AH
194

La Cité Parfaite à Travers l'Histoire

المدينة الفاضلة عبر التاريخ

Genres

ومن أغرب معالم هذه الدولة الوحيدة أن كل مدينة محاطة بسور ولا يسمح لأحد بالخروج منه.

وفي الأرض المحرمة التي تفصل المدن المختلفة بعضها عن بعض يعيش رجال ونساء يبدو أنهم ينتمون إلى جنس مختلف، أو أنهم بقايا الحضارة القديمة. وهم الذين بقوا أحياء بعد انقراض الحياة الحرة الفطرية، كما أن لهم حلفاء يعيشون داخل أسوار المدينة، وهم رجال ونساء يتملكهم الحنين إلى الماضي، والرغبة في تجربة الأخطار، والعذاب، وجيشان الأحاسيس. وعندما يحاول هؤلاء أن يتمردوا، فإن الدولة تطبق عليهم نوعا من العلاج الطويل الأمد، وهو التدير الإجباري للخيال، وذلك عن طريق عملية بسيطة في المخ تستأصل منه للأبد أي توق للحرية، وأي رغبة غير مشبع، وأي شك أو ندم.

وتتسم سخرية زامياتين بقدر من العنف والمرارة اللذين لا نجد لهما أثرا في عالم هكسلي الشجاع الطريف، الأمر الذي يرجح القول بأنها تزيد على كونها مجرد رؤية أو توقع أكاديمي. فالدور الذي يؤديه البوليس، ووسائل التعذيب والإعدام، والجو الخانق للمخبرين الرسميين وغير الرسميين، كل هذا قد تم وضعه بطريقة توحي بأنها مستمدة من معرفة حميمة. وعلى الرغم من أن الكتاب ينتهي بالانتصار الكامل للدولة الوحيدة، التي تنجح في تدمير خيال جميع مواطنيها، فإن اللجوء إلى هذا الإجراء العنيف يكشف عن ضعف الحكم الشمولي. لم تنجح ألف سنة من الدعاية في تحويل الناس إلى آلات محضة، ولهذا كانت عملية المخ ضرورية لتحقيق هذا الغرض.

وقد استتب الأمن والاستقرار في «عالم طريف شجاع» لأولدس هكسلي بوسائل أفظع من الوسائل التي ذكرناها، فهناك أولا عملية التخليق الصناعي للرضع في الزجاجات، ثم هناك التكييف الشرطي عن طريق الهيبنوبايديا

Hypnopaedia ، أي تلقين التعاليم الأخلاقية أثناء النوم، والتشريط البافلوفي الجديد للأفعال المنعكسة لدى الأطفال، واستخدام السوما

Soma

مع الكبار، وهو الدواء العجيب الذي يشفي من كل أمراض السخط، وسوء المزاج، والاستياء أو المرارة. والنتيجة المترتبة على هذا هي أن وسائل التصحيح والتقويم يمكن أن تكون أكثر اعتدالا مما هي في دولة زامياتين الوحيدة، فليس هناك أدوات تعذيب أو جلادون، والمذنبون في حق الدولة يرسلون إلى جزيرة نائية حيث يعيشون حياة كئيبة، ويقمع المتمردون باستنشاق غاز السوما وتسجيل أحاديث «البيب».

لقد طال ما أقامت اليوتوبيات جداول زمنية صارمة لسكانها، بل ووضعت خططا لأوقات فراغهم. ففي «عالم طريف شجاع» نجد أن الإنسان، من الناحية النظرية، حر في استغلال وقت فراغه فيما يتصور أنه مناسب له، ولكنه - بسبب «تكييفه» - غير قادر على الانفراد بنفسه أو السعي بمحض إرادته وراء متعته الخاصة. ولهذا يتم الاستمتاع بكل الملذات بشكل سلبي. وحتى الجهد المطلوب من الخيال للاستمتاع بمشهد حب على الشاشة يصبح جهدا غير ضروري، لأن الصورة المرئية تتحول بشكل آلي، من خلال جهاز معين، إلى إحساسات ملموسة ومسموعة ومشمومة.

وطبيعي أن يختفي الحب من مجتمع يعتبر العواطف القوية خطرا على استقرار الدولة، وأن تحل محله علاقات جنسية غير شرعية، تتم لاعتبارات صحية أو لمجرد التسلية الخالصة من أي انفعال عنيف.

ومع ذلك فإن نظام «التكييف» العجيب نفسه لا ينجح دائما بصورة كاملة، فهناك عدد قليل من الساخطين على المجتمع، وشخص نادر يريد أن يشعر بذاتيته ويحس بهويته وبأنه ليس مجرد خلية في جسم المجتمع. وهناك أيضا الهمجي الذي هرب بالمصادفة من بين صفوف الباقين على قيد الحياة من أبناء الحضارة القديمة الذين احتفظ بهم خدمة للعلم. والهمجي يشبه بطبيعة الحال الإنسان الحديث المتمدن، ولديه رغبة طبيعية في المعاناة، وإيمان قوي بالإحباط الذي جلبه على نفسه، واحتقار للجسد يدفعه في النهاية إلى الانتحار.

Page inconnue