La Cité Parfaite à Travers l'Histoire
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Genres
كان الحل الوسط المثالي بين الفردية والاشتراكية هو كذلك هدف عالم الاقتصاد النمساوي «تيودور هرتسكا»
Theodor Hertzka ، الذي استقبلت خطته عن المجتمع الأفضل - التي قدمها في كتابه «الأرض الحرة: رؤية اجتماعية مستقبلية» (نشر عام 1891م) - استقبالا حماسيا كبيرا في هذه البلاد (أي في إنجلترا). وقد شرح هرتسكا في تصدير كتابه تلك الصيغة التركيبية التي حاول وضعها بقوله: «إذا استطاع المجتمع أن يوفر رأس المال للإنتاج دون أن يضر بمبدأ الحرية الفردية الكاملة أو بمبدأ العدالة، وإذا أمكن أن يستغني عن المصلحة دون أن يستعيض عنها بالتحكم الشيوعي، فلن يقف عندئذ أي عائق في طريق النظام الاجتماعي الحر.» واقترح تيودور هرتسكا أن كون الأرض، ورأس المال، ووسائل الإنتاج ملكا للدولة، وأن يكون لجميع السكان حق متساو في الأرض المشتركة وفي وسائل الإنتاج التي توفرها الدولة. وينبغي أن تتولى رعاية كبار السن والمرضى، وأن تختلف الأجور تبعا لقيمة العمل، بحيث يدفع للعامل الفني أجر أعلى من أجر العامل العادي، وأن توزع الأرباح على العاملين بالشركات بعد اقتطاع نسبة معينة لسداد رأس المال والضريبة للدولة، وإذا أرادت مجموعة من الناس أن تكرس نفسها للصناعة أو الزراعة، فيمكنها الحصول على الأرض ورأس المال بناء على طلب مقدم للدولة. أما الأغراض الشخصية، كالمنازل أو الحدائق، فتعتبر ملكية خاصة.
وينطوي مشروع ه. ج ولز على سمات مماثلة: «فالدولة العالمية في هذا المشروع المثالي هي المالك الوحيد للأرض مع الحكومات المحلية الكبيرة ... أو المجالس المحلية التي تشارك في ملكيتها تحت إشرافها، بحيث تشبه ملاك الأراضي في عصور الإقطاع. والتفكير الحديث يتجه برمته ضد الملكية الخاصة للأرض أو الأشياء الطبيعية أو المنتجات، لأن هذه كلها ستكون في «يوتوبيا» ملك الدولة العالمية ولا تقبل التحويل لجهة أخرى. وعملا بالحق المعترف به في حرية الحركة، ستؤجر الأرض للشركات أو الأفراد، ولكنها - بالنظر إلى ضرورات المستقبل المجهول - لن تؤجر لفترة تزيد على خمسين عاما.» إن الدولة، أو الحكومات والمجالس المحلية، «تملك جميع مصادر الطاقة، وهي تنمي هذه المصادر سواء بشكل مباشر أو من خلال المستأجرين والمزارعين والوكلاء، كما تستثمر الطاقة المتاحة في خدمة الحياة. وسوف تقوم الدولة، أو المستأجرون لمواردها، بإنتاج الطعام، أي الطاقة البشرية، ويدخل استغلال الفحم والقوة الكهربائية، وقوة الرياح والموج والمياه ضمن حقوقها. وسوف تغدق الدولة هذه الطاقة على المواطنين، سواء بالتعيين والتأجير والموافقة، أو بأي وسيلة أخرى، كما تحافظ على النظافة، وتقوم بمد الطرق، وتوفير وسائل النقل الرخيصة والسريعة، وتتكفل بجميع شئون الكوكب، وتتولى توزيع العمل، وتشرف على جميع المنتجات الطبيعية وتقوم بإدارتها، وتهتم بصحة المواليد ورعاية أجيال عديدة قوية، كما تحافظ على الصحة العامة، وتسك النقود وتضمن سلامة المقاييس والموازين، وتشجع البحوث، وتكافئ المشاريع التجارية غير القادرة على الربح باعتبارها نافعة للدولة ككل، كما تمول عند الحاجة كراسي الأساتذة في النقد الأدبي والمؤلفين والناشرين وتجمع المعلومات وتتولى بثها وتوزيعها.»
على الرغم من أن الدولة هي مصدر كل طاقة، وهي المالك الوحيد، فإن المحافظة على الملكية الخاصة تعتبر من الأمور الأساسية، لأن «الإنسان الذي يفتقر إلى الملكية هو إنسان بلا حرية، ومدى ملكيته هو إلى حد كبير مقياس حريته ... وسيكون هدف اليوتوبيا الحديثة هو أن تؤمن لكل مواطن الحرية التي تهبها له أملاكه المشروعة أي جميع القيم التي كانت ثمرة كدحه أو براعته أو بعد نظره أو شجاعته. وأيا كان ما حققه أو حصله بالوسائل المشروعة فله الحق في الاحتفاظ به، وهذا أمر واضح تماما، ولكن سيكون له الحق أيضا في البيع والتبادل ...» وستضع الدولة حدا لحق الإنسان في الملكية عندما تصل إلى الحد الذي تجور فيه حريته على حرية الآخرين وتقمعها. ولم يخبرنا ولز متى يصبح «الاستغلال» «قمعا»، وفي هذه المسألة، كما في مسائل كثيرة غيرها، يتحمل ولز «مسئولية» تفكيره الفضفاض.
والمال أيضا شيء أساسي لا غنى للحرية عنه، ويوتوبيا ه. ج. ولز تعكس الاتجاه العام لليوتوبيات التي تعتبر أن المال هو مصدر كل شر، وذلك بدفاعها عن المال بقولها: «إن المال إذا أحسنت استخدامه، نعمة من نعم الحياة، وهو شيء ضروري للحياة الإنسانية المتمدنة، وبقدر تعقد مناحي استخدامه في أغراضها المختلفة، فهو لازم لنموها الطبيعي لزوم العظام في رسغ الإنسان، ولست أتصور من دونه شيئا يستحق أن يسمى باسم المدينة. إنه هو الماء الذي يدخل في تكوين الجسد الاجتماعي، وهو يوزع ويستقبل ويجعل النمو والتمثل والحركة والشفاء أمرا ممكنا. وهو أساس المصالحة بين اعتماد البشر بعضهم على بعض وبين الحرية.» ويدين ولز بشدة الطريقة المهينة التي يستخدم بها الذهب كما صورها السير توماس في يوتوبياه. وفي رأيه أن قروض العمالة، أو الطلب الحر على وسائل الترف والراحة من أحد المخازن المركزية، أو غيرهما من الحيل المشابهة، «تفتح أمام ذلك الخبث الفاسد الكامن في نفس الإنسان فرصا تزيد بمقدار عشرة آلاف ضعف عن الفرص التي يتيحها استخدام المال. ولا يصلح الذهب، على كل حال، لأن يكون مقياسا للقيمة، لأن قيمته عرضة للتغير الشديد، ومن ثم تستخدم الطاقة الإنتاجية بدلا منه. وتحسب الطاقة المتاحة بالوحدات الفيزيائية كما تتجه نحو التوحيد بسبب التكييف الآلي لقوة العمل.»
والعمل ضرورة حتمية في «يوتوبيا حديثة»، ولكن فئة قليلة مميزة، كما في مجتمعنا الحاضر، هي التي يمكنها أن تعيش دون أن تضطر للعمل إذا هي أرادت ذلك: «إذا ورث إنسان، في ظل المخطط اليوتوبي المحدد للميراث، مبلغا كافيا من المال يغنيه عن الحاجة إلى الكدح، فبإمكانه أن يكون حرا في الذهاب إلى حيث يشاء وفي فعل ما يريد.» ويبرر هذا الوضع على أساس أن مصلحة العالم أن «تحيا نسبة معينة من الناس في سعة من العيش، فالعمل الذي يكون الباعث عليه هو الإلزام الأخلاقي إنما يعبر عن أخلاق العبيد، وما دام لا يوجد أحد مرهق بالعمل فوق طاقته، فليس هناك داع للشعور بالضيق لوجود قلة ضئيلة متخففة من عبء العمل.»
ويتمتع العامل في اليوتوبيا الحديثة بفرص كبيرة تتيح له اختيار مهنته، وتزيد بكثير على فرص نظيره في كوكبنا الأرضي، وهو يستطيع أيضا أن يتنقل بحرية أكبر من مكان لآخر بفضل وسائل الانتقال السريعة. والبطالة غير معروفة؛ لأن الدولة تمتص فائض العمالة كله عن طريق إقامة بعض المشروعات لحسابها الخاص، بحيث تدفع الحد الأدنى للأجور، وتسمح لهذه المشروعات بالتقدم البطيء أو السريع حسبما يمليه مد وجزر العمل، كذلك تستطيع الدولة أن تمتص العمالة الزائدة بتخفيض ساعات العمل اليومية. ومع أن الاتجاه المتزايد لاستخدام الآلة يعمل على زيادة فائض العمالة، فإن الحرص على التحكم الدقيق في الزيادة السكانية يحول دون تعاظم مشكلة البطالة. ومن مصلحة الدولة على كل حال أن يكون لديها باستمرار قدر من العمالة الفائضة التي يمكنها تشغيلها بالحد الأدنى من الأجور.
والدولة قادرة على وضع جميع سكان الكوكب اليوتوبي تحت المراقبة، لأنهم ملزمون بتسجيل وإبلاغ أي تغيير يطرأ على عناوينهم حتى لو كان تغييرا مؤقتا . وقد اقتضى ذلك وضع نظام دقيق متقن يقوم بتجميع سجلات ألف وخمسمائة مليون من البشر، مع فهارس أرقامهم، وبصمات أصابعهم، وملاحظات عن تحركاتهم هنا وهناك، وزواجهم، وأنسابهم، وسوابقهم وما شابه ذلك. ويوجد مقر هذا الدليل المركزي الضخم في مجموعة كبيرة من المباني المقامة في باريس أو على مقربة منها، وذلك «تكريما لنصاعة العقل الفرنسي». بهذا يتم تسجيل جميع الأحداث التي تمر بحياة الإنسان، وفي النهاية، عندما ينتهي أجل المواطن، يتم آخر تسجيل متعلق به، فيدون عمره وسبب موته وتاريخ ومكان حرق جثته، كما تسحب بطاقته وتنقل إلى السجل الشامل للأصول والأنساب، حيث توجد المعارض المتنامية لسجلات الموتى، ويسود السكون والسكينة العظيمة.
ويرفض ه. ج. ولز أن ينظر إلى مخططه على أنه نزوة من نزوات خياله، ويؤكد أن «مثل هذا التسجيل أمر حتمي، إذا أريد تحقيق يوتوبيا حديثة»، ويبدو أنه يعتقد أنه من دون هذا النظام سيحاول سكان «يوتوبيا حديثة»، الذين تعودوا على التنقل والهجرة، منافسة «المسيو فردو»،
2
Page inconnue