La Cité Parfaite à Travers l'Histoire

Catiyat Abu Sucud d. 1450 AH
175

La Cité Parfaite à Travers l'Histoire

المدينة الفاضلة عبر التاريخ

Genres

والعمل الذي ليس ممتعا في حد ذاته، قد أصبح - في المجتمع الجديد - مصدرا للمتعة بسبب معرفة الناس بأنه نافع ومفيد. أما في المجتمع القديم الذي انصرف فيه الناس أساسا لإنتاج سلع غير ضرورية، فقد أصبح العمل «هو السعي المتواصل لبذل أقل جهد ممكن في صنع أي سلعة، وفي الوقت نفسه في صنع أكبر عدد ممكن من السلع». وللتخلص من هذه السلع، كان من الضروري خلق حاجات جديدة بشكل مصطنع، وفتح أسواق جديدة في البلاد «غير المتحضرة». غير أن الإنسان في المجتمع الجديد لا ينتج سلعا سخيفة لمجرد أن يستفيد من ذلك أحد الرأسماليين، وإنما ينتج ما تحتاج إليه الجماعة حاجة ضرورية. وهناك علاقة حيوية بين المنتج والمستهلك كما كان الحال في مدن العصر الوسيط: «إن السلع التي نصنعها هي السلع التي نحتاج إليها، فالناس يصنعون ما يحتاج إليه جيرانهم (رفاقهم) كما لو كانوا يصنعونه لأنفسهم، وليس لأسواق مجهولة لا يعرفون عن أمرها شيئا، ولا يملكون التحكم فيها، وكما أنه لا يوجد بيع ولا شراء، فمن الجنون أن نصنع سلعا لا ندري إن كنا سنحتاج إليها، لأنه لم يعد لدينا إنسان يمكن إجباره على شرائها. ولهذا فإن كل ما نصنعه جيد وملائم تمام الملاءمة للغرض منه. ولا يمكن أن نصنع شيئا إلا إذا كانت هناك حاجة أصيلة إلى استخدامه، ولهذا لا نصنع سلعا رديئة. أضف إلى هذا، كما سبق أن ذكرت، أننا قد عرفنا ما نريد، ولهذا لا نصنع أكثر مما نحتاج إليه، وكما أننا غير مضطرين لأن نصنع كميات كبيرة من أشياء عديمة الفائدة، فإن لدينا الوقت والموارد الكافية التي تجعلنا نحكم على مدى استمتاعنا بصنع هذه الأشياء. والعمل الذي يمكن أن يبعث على الضيق إذا صنعناه بأيدينا، نصنعه بالآلات المتطورة تطورا هائلا، والعمل الذي يمتعنا إذا صنعناه بأيدينا، نستغني فيه عن الآلات. وليست هناك أي صعوبة في إيجاد العمل الذي يناسب الميول العقلية لكل فرد؛ الأمر الذي يترتب عليه ألا يضحي بإنسان لتلبية حاجات إنسان آخر. وقد عمدنا من وقت لآخر، كلما اكتشفنا أن بعض أنواع العمل كريهة جدا أو متعبة، إلى التخلي عن ذلك العمل والاستغناء عن إنتاجه. والآن يمكنك بالتأكيد أن ترى أن العمل الذي نقوم به تحت هذه الظروف هو تمرين ممتع بصورة أو أخرى للعقل والجسد معا، لدرجة أن كل إنسان يسعى إلى العمل بدلا من أن يسعى إلى تجنبه. وما دام الناس قد اكتسبوا المهارة في العمل جيلا بعد جيل، فقد أصبح إنجازه من السهولة بحيث يبدو الأمر وكأننا ننجز القليل، في حين أن إنتاجنا قد يكون في تزايد مستمر.»

ولا يحتاج السعداء سعادة حقيقية إلى الإيمان بحياة أسعد بعد الموت أو إلى التماس العزاء في حب الله.

18

فقد استبدل الدين الإنساني بالدين المسيحي، كما أصبح الناس يحبون رفاقهم في الإنسانية، ليس عن شعور بأداء الواجب، بل لأنهم يستحقون منهم الحب. «إن الإيمان بالنعيم والجحيم، وكأنهما بلدان يمكن أن يعيش الإنسان فيهما، قد اختفى، ونحن الآن نؤمن، بالكلمة والفعل معا، بالحياة المتصلة لعالم البشر، ونضيف، إذا جاز هذا القول، كل يوم من أيام هذه الحياة المشتركة إلى الرصيد القليل من الأيام الذي توفره لنا تجاربنا الفردية، ونتيجة هذا هي أننا سعداء. هل تعجب لذلك؟ لقد كان يطلب من الناس في العصور الماضية أن يحبوا البشر الذين هم من جنسهم، وأن يؤمنوا بديانة الإنسانية وهلم جرا. لكن انظر، بقدر ما تمتع الإنسان بسمو العقل ورهافة الذوق إلى الحد الذي يمكنه من تقييم هذه الفكرة، بقدر ما أصابه الاشمئزاز من منظر الأفراد الذين تتكون منهم الجماهير التي أريد له أن يتفانى في عبادتها، ولم يكن في استطاعته أن يتحاشى هذا الاشمئزاز إلا عن طريق القيام بنوع من التجريد المألوف لفكرة البشرية التي تربطها صلة واقعية ولا تاريخية بالجنس البشري، الذي كان ينقسم في رأيه إلى طغاة عمي من جهة وعبيد متبلدين مهانين من جهة أخرى. أما الآن، فأين هي الصعوبة في قبول ديانة الإنسانية، ما دام الرجال والنساء الذين يكونون (معنى) الإنسانية أحرارا، وسعداء، ومفعمين بالحيوية والنشاط على أقل تقدير، كما أنهم بوجه عام يتمتعون بأجساد جميلة وتحيط بهم أشياء جميلة من صنعهم، وطبيعة يرتقي بها الاحتكاك بالبشر ولا يسيء إليها؟»» (5) أويجين رشتر: «صور من المستقبل الاشتراكي»

عندما ظهر كتاب «صور من المستقبل الاشتراكي» لأويجين رشتر في ألمانيا، وذلك في أوائل التسعينيات من القرن التاسع عشر، كانت المشروعات الاشتراكية لمجتمع المستقبل قد حظيت باهتمام يفوق الاهتمام الأكاديمي الخالص. فقد أدت قوة الحركة الاشتراكية بالكثير من الناس إلى الاعتقاد بأن اليوتوبيا الاشتراكية سوف تصبح في وقت غير بعيد حقيقة واقعية. وهذا يفسر المرارة الشديدة التي تشعر بها أثناء قراءة الرواية النقدية الساخرة لأويجين رشتر زعيم حزب الأحرار في البرلمان الألماني (الرايشستاج). وربما يفسر أيضا نجاح هذا الكتاب الصغير، الذي بيعت منه مئات الآلاف من النسخ في بضعة شهور قليلة، كما ترجم مباشرة إلى اللغة الإنجليزية.

وعلى الرغم من أن ضعف الحركة الاشتراكية في إنجلترا قد منع الأحرار والمحافظين من أن يعتبروها تهديدا جادا لهم، فلا بد أنهم نظروا إلى شعبية اليوتوبيات الاشتراكية باعتبارها نوعا من التحذير الخطير، فضلا عن أن الصحافة الناطقة باللغة الإنجليزية استقبلت كتاب رشتر استقبالا حارا، فقد أعلنت جريدة «المراقب القومي»

National Observer «أنه يستحق أن يقرأه كل العمال بالإضافة إلى جميع رجال الأعمال ذوي المكانة المرموقة». وقالت صحيفة مورننج هيرالد التي تصدر في سيدني

Sydney Morning Herald : «سيكون هذا الكتاب دواء مضادا يشفي من وصفات العلاج التي اقترحها بيلامي لإصلاح المجتمع، لأنه يصور مآسي النظام الاشتراكي وانهياره النهائي.» أما جريدة الإسبكتيتور

Spectator

فقالت بلهجة أكثر جدية: «لن تكون للاشتراكية نهاية أخرى غير النهاية التي يصورها الكتاب.»

Page inconnue