La Cité Parfaite à Travers l'Histoire
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Genres
ويعد وضع النساء وضعا غير عادي، لأن النساء في هذه الأمة التي تحيا تحت الأرض أقوى من الرجال من الناحية الجسمانية، كما أنهن أكثر منهن براعة في استخدام «الفريل». وهن يستطعن إذا أردن أن يدمرن كل الذكور، ولكن هذا لن يكون في مصلحتهن، ولهذا فهن يتمنعن حتى عن إظهار قوتهن الفائقة خشية أن يرتاب فيهن الرجال ويهجروهن. وتحرص النساء على حقهن في اختيار أزواج المستقبل والتودد لهم، وعندما يتزوجن الرجال الذين اخترنهم يفعلن كل ما في وسعهن لإسعادهم، بل ويمتثلن لطاعتهم، لا من منطلق الواجب الأخلاقي، ولكن لأنهن يعلمن أن هذه هي أفضل وسيلة للاحتفاظ بأزواجهن. ويصبح هذا أمرا ضروريا إذا عرفنا أن قوانين الزواج لا تلزم بارتباط الرجل والمرأة إلا لفترة محدودة. ولا بد أن هذه الطريقة الحرة التي تعامل بها اللورد ليتون مع العلاقات بين الجنسين، ومع الزواج والطلاق، قد بدت عند ظهور الرواية مسألة غير أخلاقية (هذا لو كان قد أخذ على محمل الجد).
ولكن لعل من الأمور المسلية أن نرى كيف أصبح وضع النساء اليوم في إنجلترا وأمريكا مشابها لوضعهن في مجتمعه الذي يعيش تحت الأرض ...
وتشبه «النزعة اللاأخلاقية» التي يعرضها الكتاب موقفنا الحديث في هذه الأيام أكثر مما تشبه مثيلتها في القرن التاسع عشر، عندما كانت المبادئ الأخلاقية الصارمة، والحب الفياض للإنسانية هما الأسلوب السائد. ولا يتحدث ليتون عن «الحقوق الطبيعية» أو عن «قانون الطبيعة»، وإنما يعلن أن «من السخف الكلام عن حقوق، حيث لا توجد في مقابلها القوى التي تعززها وتدعمها». وهذه القاعدة التي تطبق على نطاق واسع، وبخاصة في الحياة السياسية، يندر الاعتراف بها صراحة في مجتمعنا. ومن ناحية أخرى، نجد أن الأخلاق التي يسير عليها «الجنس القادم» تقوم بشكل صريح على القوة؛ فهم يعاملون رفاقهم المساوين لهم معاملة أخوية، لأنهم جميعا قادرون على استخدام «الفريل»، ولكنهم لا يشعرون بأي ندم لقتل البرابرة، أي أولئك الذين لم يكتشفوا سر استخدام «الفريل»، ولا يقوون على الدفاع عن أنفسهم. وهم في هذا يشبهون بشكل ملحوظ تلك الأمم المتحضرة وغير اليوتوبية، التي تلتزم بسلوك معين تجاه غيرها من الأمم القوية، وبسلوك مختلف تمام الاختلاف تجاه الأجناس المتخلفة.
والواقع أن اللورد ليتون يصبح أقل إقناعا عندما يعرض النظرية التي تقول إن أفضل وسيلة لتجنب الصراع هي أن يكون كل فرد مدججا بالسلاح من قدميه إلى أسنانه. وهذه النظرية المتفائلة هي التي أخذ بها صناع السلاح، لأسباب واضحة، كما أخذ بها أيضا بعض المفكرين من خلال التمنيات الطيبة، حين عبروا، أيام اكتشاف القنبلة النووية، عن اعتقادهم أنه عندما تصبح كل الأمم قادرة على صنع هذا النوع من القنابل، فلن تقدم أمة واحدة على الانتحار باستخدامها، وأن العالم سوف يشهد نهاية الحروب. ولكن تجربة الماضي تدلنا لسوء الحظ على أنه حتى لو تحقق نوع من توازن القوى، فلن يخلو الأمر من وجود أناس على استعداد للمقامرة بحياتهم أو حياة الآخرين.
إن «الجنس القادم» تنتمي لذلك النوع من الروايات اليوتوبية التي لا يمكن أن يعاملها أي واحد من الاشتراكيين العلميين إلا بالاحتقار الشديد، وذلك إذا وافق أصلا على أن يقرأ مثل هذا الأدب البرجوازي الصغير ... والمؤكد أن محاولة التوفيق بين بعض المبادئ الاشتراكية وبين المبدأ الذي تقوم عليه الرأسمالية وهو «دعه يعمل»، لا بد أن تبدو محاولة شديدة الغرابة. ويحتمل أن يكون ليتون قد استعار من وليم جودوين،
11
الذي أثر فيه تأثيرا كبير في شبابه، فكرة المجتمع بلا دولة، الذي يتكون من اتحاد فيدرالي يجمع بين مجتمعات صغيرة ومستقلة، كما استعار من فورييه بعض أفكاره المتعلقة بالعمل، كالاحتفاظ بالأرباح، وموقفه الليبرالي من المتعطلين. والنتيجة التي تمخضت عنها هذه المؤثرات المتصارعة هي المجتمع الذي يعتبر بالمساواة من ناحية المبدأ، ولكن الأرباح فيه تتكون من رأس المال، ومن ثم يبقى الاستغلال قائما، والثروة لا تمنح الأغنياء أي سلطة، ومن ثم فهي غير مفسدة، كما لا توجد حكومة تدافع عن مصالح الطبقة المميزة. ومع ذلك فنحن أمام رواية يوتوبية خيالية ، ومن الطبيعي ألا تخلو من التناقضات الضرورية. ولكن على الرغم من هذه التناقضات، وربما بفضلها، فإن «الجنس القادم» أقل غباء من معظم اليوتوبيات العلمية في القرن التاسع عشر. (3) إدوارد بيلامي
12 (1850-1898م): «التطلع للوراء»
إذا كانت «التطلع للوراء» - على الرغم مما ينطوي عليه عنوانها من مفارقة - رواية خيالية تدور حول المستقبل، فهو مستقبل أصبح مألوفا لنا بالفعل. فتأميم الصناعة، وتعبئة العمالة، والتركيز على أهمية الطبقة الإدارية، جميعها أوضاع تتصل بالحاضر أكثر مما تنتمي إلى المستقبل، وقد كان من الممكن أن يغرينا هذا بوصف إدوارد بيلامي بأنه متنبئ أكثر من كونه يوتوبيا، لو لم يكن قد أخطأ خطأ فاحشا في الاعتقاد بأن هذه التغييرات ستجلب لنا السعادة.
استقبل الرأي العام - الذي لم يكن قد جرب بعد طعم التحكم المركزي للدولة - يوتوبيا بيلامي في التسعينيات من القرن الماضي بحماس شديد. وقد ذكر بيتروكروبوتكين خلال مراجعته ل «التطلع للوراء» في مجلة الثورة
Page inconnue