La Cité Parfaite à Travers l'Histoire
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Genres
هذا السحق لشخصية الإنسان يتخذ في الغالب سمة شمولية. فالمشرع أو الحكومة هما اللذان يخططان المدن والمنازل؛ وقد أعدت هذه الخطط وفق أكثر المبادئ عقلانية وأفضل معرفة بالتقنية، ولكنها (أي الخطط) ليست هي التعبير العضوي عن الجماعة. إن المنزل، مثله مثل المدينة، قد يصنع من مواد غير حية، ولكن ينبغي أن يجسد روح أولئك الذين بنوه. وبنفس الطريقة ربما تكون الأزياء اليوتوبية أكثر راحة وأكثر جاذبية من الملابس المعتادة، ولكنها لا تسمح للفرد بالتعبير عن فرديته.
والدولة اليوتوبية أشد شراسة في قمعها لحرية الفنان. فالشاعر والرسام والنحات يفترض فيهم أن يكونوا في خدمة الدولة، وأن يتحولوا إلى عملاء الدعاية لها. إن التعبير الفردي محظور عليهم سواء لأسباب جمالية أو أخلاقية، ولكن الهدف الحقيقي هو سحق أي مظهر من مظاهر الحرية. ولا مراء في أن معظم اليوتوبيات ستفشل فشلا ذريعا في «اختبار الفن» الذي اقترحه هربرت ريد: «لقد طرد أفلاطون، كما يعرف الجميع، الشعراء من جمهوريته. ولكن هذه الجمهورية كانت نموذجا مضللا للكمال. ربما استطاع بعض المستبدين أن يحققوها في الواقع، غير أنها لن تؤدي وظيفتها إلا كالآلة، أي بشكل آلي. فالآلات تعمل بشكل آلي لمجرد أنها مصنوعة من مواد ميتة وغير عضوية. ولو أردت أن تعبر عن الفرق بين مجتمع تقدمي وعضوي وحكومة شمولية سكونية، فيمكنك أن تعبر عن هذا بكلمة واحدة: هذه الكلمة هي الفن. ولا يستطيع المجتمع أن يجسد مثل الحرية والتطور العقلي، وهي التي تجعل الحياة في نظر الغالبية منا جديرة بأن نحياها، إلا بشرط السماح للفنان بأن يمارس عمله بحرية.»
إن اليوتوبيات التي تنجح في هذا الاختبار هي تلك التي تعارض مفهوم الدولة المركزية باتحاد فيدرالي للجماعات الحرة، حيث يستطيع الفرد أن يعبر عن شخصيته دون أن يخضع لرقابة قانون مصطنع، وحيث لا تكون الحرية كلمة مجردة، بل تتجلى بشكل عيني في العمل، سواء أكان عمل الرسام أم البناء. هذه اليوتوبيات لا تتعلق بالبناء الميت للتنظيم الاجتماعي، وإنما تتعلق بالمثل التي يمكن أن يقوم عليها المجتمع الأفضل. أما عن اليوتوبيات المضادة للتسلطية، فهي أقل عددا، وقد مارست نفوذا أقل من اليوتوبيات الأخرى، لأنها لم تقدم خطة جاهزة، بل طرحت أفكارا جريئة غير متزمتة، ولأنها تتطلب من كل منا أن يكون «متفردا»، وليس رأسا في القطيع.
وحين تشير اليوتوبيات إلى الحياة المثالية دون أن تتحول إلى خطة، أي بغير أن تتحول إلى آلة مجردة من الحياة تطبق على مادة حية، عندئذ تستطيع بجدارة أن تصبح هي التحقق الواقعي للتقدم.
الفصل الأول
يوتوبيات العصر القديم
يتميز الفكر الفلسفي والسياسي اليوناني بقدر كبير من الثراء والتنوع، يجعله من أهم المصادر التي ألهمت الكتاب اليوتوبيين طوال العصور. فلقد كان لأساطير العصر الذهبي، وتصورات الدول المثالية الخاصة بالماضي الأسطوري أو المستقبل البعيد، والكتابات النظرية عن فن الحكم، كان لكل هذا تأثير عميق على مؤسسي الدول والمجتمعات المثالية من توماس مور حتى ه. ج. ويلز.
وليس من السهل دائما تحديد أي الأعمال يمكن اعتبارها يوتوبيات، لأن الفرق بين العروض التي تقدم عن الأحداث الخيالية والأحداث التاريخية يكون في بعض الأحيان شديد الدقة. وأفلاطون نفسه، الذي اتجه إليه الكتاب المتأخرون في معظم الأحوال، قد ترك وراءه أعمالا تتضمن أشكالا مختلفة من الفكر اليوتوبي. فكل من طيماوس وكريتياس تصف مجتمعات أسطورية ودولا أو مجتمعات مثالية، والجمهورية تضع أسس مدينة مثالية للمستقبل، بينما تضع القوانين أسس دولة تليها في الأفضلية. ونجد عند أرسطو إطار دستور مثالي، كما نجد وصفا للمؤسسات التي تحكم العديد من الدول اليونانية، ويقدم ديودوروس الصقلي
Diodorus Siculus
1
Page inconnue