La Cité Parfaite à Travers l'Histoire
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Genres
ولكن لا يصح أن ننشئ بعض الأطفال على التعلم من الكتب وحدها بغير أن نعلمهم وظيفة أخرى، وذلك كما يحدث في ظل الحكومة الملكية مع من يسمون بالباحثين، لأن هؤلاء سيستغلون الفراغ الذي يعيشون فيه ويكدون عقولهم المدربة عليه، في قضاء وقتهم في التحايل لكي يصبحوا لوردات وسادة على إخوتهم المجدين، وذلك على نحو ما يفعل سيمون وليفي، مما يتسبب في كل متاعب العالم.
ولكي نتلافى المخاطر الناجمة عن بطالة الباحثين، فإن العقل وضمان السلام المشترك يقتضيان أن نهيئ للأطفال - بعد أن يشبوا في المدراس وتنضج عقولهم - تعلم الحرب والفنون والعلوم التي تلائم قدراتهم الجسدية والعقلية، والاستمرار في ذلك حتى يبلغوا سن الأربعين.
لقد رأينا كيف ألغى ونستنلي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، ولكنه على خلاف مور وكامبانيلا وأندريا، أبقى على ملكية «السلع الاستهلاكية».
وإذا أراد أي شخص آخر أن يأخذ منه منزله وأثاثه، وطعامه وزوجته أو أطفاله، قائلا إن كل شيء مشترك، وخرق بذلك قانون السلام، فإن مثل هذا الشخص يعتبر آثما، وعليه أن يتحمل العقاب الذي حددته الحكومة والقوانين.
فعلى الرغم من أن المخازن العامة جزء من المال العام، فإن السكن الخاص ليس من الأملاك العامة للدولة، ومهمة قوانين الكومنولث هي حماية سلام الإنسان في شخصه، وسكنه الخاص من الفظاظة والجهل اللذين يمكن أن يصيبا الإنسان.
ومع ذلك فليس في مجتمع ونستنلي المثالي نقود ولا أجور، وكل إنسان يعطي حسب مجهوده ويأخذ حسب احتياجاته. وفي نهاية «قانون الحرية» نجده يرجع لتنظيم مجتمع بلا نقود، ويشرح أسلوب الحياة فيه كما يلي: «تزرع الأرض وتجمع الثمار ويتم نقلها إلى المخازن بمساعدة كل أسرة. وإذا أراد أي إنسان أو أي أسرة الحصول على ذرة أو أي مؤن أخرى، فيمكنهم الذهاب إلى المخازن وأخذها دون نقود. وإذا أرادوا حصانا للركوب، يذهبون إلى الحقول صيفا، أو إلى الإصطبلات العامة شتاء، ويتسلمونه من الحراس، وعندما تنتهي الرحلة التي قاموا بها، يرجعونه إلى المكان الذي أخذوه منه، وذلك دون نقود. وإذا أرادوا طعاما أو مؤنا، فإما أن يذهبوا إلى محلات القصابين ويتسلموا ما يشاءون دون نقود؛ وإما إلى قطعان الأغنام أو الماشية، فيذبحوا ويأخذوا ما يحتاجون إليه من اللحوم لعائلاتهم دون بيع أو شراء.»
ويحلل ونستنلي في الفصل الأخير من «قانون الحرية» طبيعة القوانين، محاولا أن يوضح الفرق بين الأعراف، والتقاليد، والقوانين المكتوبة، وبين القوانين غير المكتوبة التي تنبع من «النور الداخلي للعقل»: «إن القوانين الملكية القديمة التي كانت صالحة في عصور العبودية لا يمكن أن تصلح أيضا لعصور الحرية.» ثم يستعين بنزعته الواقعية فيشبه تلك القوانين «بالضباط العجائز الذين يغيرون أسماءهم ثم يتابعون حياتهم وكأن شيئا لم يتغير». ولهذا يؤكد أن قانون الكومنولث الحقيقي يجب أن يكون «اتفاق سلام لكل الجنس البشري». إنه قانون يحرر «الأرض للجميع ويؤلف بين اليهود والأمميين في أخوة واحدة لا تستثني أحدا. وهو يعيد ثوب المسيح سليما كما كان ويجعل ممالك الأرض مرة أخرى مجتمعات كومنولث. وهو كذلك القوة الباطنة للفهم الصحيح، الذي هو القانون الحق الذي يعلم الناس بالفعل، كما يعلمهم بالكلمات، أن يعاملوا غيرهم بما يحبون أن يعاملوهم به.»
أما قوانين الكومنولث المكتوبة، فيجب أن تكون «قليلة ومختصرة وأن تعاد قراءتها أكثر من مرة ... وكل من يعرف متى كانت نافعة ومتى كانت ضارة، سيمكنه أن يتخذ جانب الحذر الشديد من كلماتها وأفعالها، وبهذا يستغني عن المحامين.» ومن العجيب حقا، على ضوء العبارة الأخيرة، أن نجد ونستنلي يختم وصف «كومنولثه» المثالي بقائمة من اثنين وستين قانونا، لا يختلف معظمها كثيرا عن قانون الملوك التقليدي الذي يقتل الحرية الحقيقية. والظاهر أن ونستنلي يقدم هذه القوانين على سبيل المحاولة، لأنه يمهد لها بهذه الكلمات: «قد تكون هذه هي القوانين الخاصة، أو المنهج القانوني، الذي يمكن أن يحكم به الكومنولث». ومن الأمور المخيبة للأمل، على كل حال، أن نجد ونستنلي، شأنه شأن العديد من الكتاب اليوتوبيين، لا يلتزم كثيرا آراءه النظرية عندما يبدأ في وضعها موضع التطبيق. والغريب أن الكاتب الذي سبق له أن قال في «قانون الاستقامة»: «كل من يقول إنه يستطيع أن يهب الحياة، فهو يستطيع أيضا أن يسلب الحياة. ولما كانت قوة الحياة والموت في يد الخالق وحده، فإن أي إنسان يسلب إنسانا مثله من حياته، باسم أي قانون كان، يرتكب بكل تأكيد جريمة قتل ضد الخليقة.» هذا الكاتب نفسه هو الذي سمح بحرية توقيع عقوبة الموت. وها هو ذا يقدم بعض وصاياه، وكأن في يده سلطة «إعطاء الحياة»: «لا يجوز أن يستغل أحد القانون للتوصل إلى مال أو مكافأة. ومن يفعل ذلك فسيعاقب بالموت باعتباره خائنا للكومنولث، فعندما يباع العدل ويشترى بالمال، فلا يمكن أن نتوقع إلا الظلم والقهر.» «ومن يزعم أنه يعيش لخدمة الإله الحق بالوعظ والصلاة، ثم يتاجر أو يعقد صفقة للاستيلاء على الأرض، فلا بد أن يعاقب بالموت باعتباره ساحرا وغشاشا.» والواقع أن مفهوم ونستنلي عن العدل مفهوم بربري بشكل كامل: «ومن يضرب جاره سيضربه الجلاد ضربة بضربة، وسيفقد عينا بعين، وسنا بسن، وعضوا بعضو، وحياة بحياة، والحكمة من وراء ذلك هي أن يتعلم الناس الرفق في التعامل مع أجساد بعضهم البعض، وأن يعاملوا غيرهم بما يحبون أن يعاملوهم به.»
وهو يوصي بأن تفرض العبودية، كما رأينا في يوتوبيا مور، كعقاب على الجرائم التي تكون أخف من الجرائم السابقة الذكر: «كل من يخالف القوانين للمرة الأولى يتم توبيخه في جلسة خاصة أو عامة، كما بينا من قبل، وفي المرة الثانية يجلد بالسوط، أما في المرة الثالثة فيفقد حريته، إما لفترة زمنية محدودة أو للأبد، كما يحرم عليه أن يشغل أي وظيفة.»
ومن فقد حريته يصبح خادما لأي رجل حر، ويذهب إلى «فارضي المهام» ويطلب خادما للقيام بأي عمل خاص به، وعندما يلحقه هذا الرجل الحر بعمله بعد موافقة فارضي المهام، يحظر على أي رجل حر آخر أن يطلبه للعمل عنده إلا بعد أن ينتهي من عمله السابق.
Page inconnue