La Cité Parfaite à Travers l'Histoire
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Genres
Mably
أو مورللي
Morelly ، كان من رأيه أن قوانين الطبيعة هي قوانين أسبرطة، وبدلا من أن يقيموا يوتوبياتهم على تجمعات حية وبشر مثل أولئك الذين يعرفونهم، أقاموها على تصورات مجردة. إن هذا على وجه التحديد هو المسئول عن الجو المفتعل السائد في معظم اليوتوبيات : فالبشر اليوتوبيون مخلوقات من نمط واحد، ولهم رغبات متماثلة وردود أفعال متشابهة، وهم مجردون من العواطف والانفعالات، لأن هذه الأخيرة ستكون تعبيرا عن الفردية وقد انعكس هذا التوحيد في كل جوانب الحياة اليوتوبية، من الملبس إلى جدول المواعيد، ومن السلوك الأخلاقي إلى الاهتمامات العقلية. ويؤكد ه. ج. ويلز أن «كل اليوتوبيات على وجه التقريب - ربما باستثناء أنباء من لا مكان لوليم موريس - يرى فيها المرء أبنية صحيحة ولكن بلا شخصية، ومنشآت متجانسة وكاملة، وحشودا من الناس الذين يتمتعون بالصحة والسعادة ويرتدون الملابس الجميلة، ولكنهم يفتقرون إلى أي تفرد شخصي من أي نوع. وكثيرا ما يشبه هذا المنظر إحدى اللوحات الكبيرة لحفلات الزواج الملكي والبرلمانات والمؤتمرات والتجمعات التي كانت تتم في العصر الفيكتوري، ففي هذه اللوحات لا نرى وجها بشريا، وإنما نرى بدلا من ذلك أن كل شكل منها يحمل ملامح بيضاوية مدونا عليها رقمه في الدليل الرسمي.»
وينطبق الشيء نفسه على التنظيم المصطنع لليوتوبيا؛ فالأمة الموحدة لا بد أن يناظرها بلد موحد أو مدينة موحدة. والعشق التسلطي للتجانس يجعل اليوتوبيين يطمسون الجبال أو الأنهار، بل يجعلهم يتخيلون جزرا كاملة الاستدارة، وكذلك أنهارا كاملة الاستقامة. «في يوتوبيا الدولة القومية (كما يقول لويس ممفورد) لا توجد مناطق طبيعية، والتجمع الطبيعي للبشر في البلدان والقرى والمدن، وهو الذي أكد أرسطو أنه الفارق الأساسي بين الإنسان وبقية الحيوانات، هذا التجمع الطبيعي، لا يسمح به إلا على أساس الخرافة التي تقول إن الدولة هي التي تمنح هذه التجمعات قدرا من سلطتها الشمولية أو - كما يقول - من سيادتها، ومن ثم تسمح لهم بممارسة الحياة المشتركة. ومن سوء حظ هذه الخرافة الجميلة، التي بذلت أجيال من المحامين ورجال الدولة جهودا كبيرة في صنعها، أن المدن قد سبقت الدول في الوجود بوقت طويل - فقد قامت روما على نهر التيبر قبل قيام الإمبراطورية الرومانية بوقت طويل - وهذا التسامح الكريم من قبل الدولة ليس في الواقع إلا منزلة الختم المطبوع على حقيقة منجزة بالفعل (...).
وبدلا من التعرف على المناطق الطبيعية والتجمعات الطبيعية للبشر، أقامت اليوتوبيات ذات النزعة القومية ، بواسطة خطوط المساحين، مملكة معينة أطلقت عليها اسم الإقليم القومي، وجعلت كل سكان هذا الإقليم أعضاء في دولة واحدة، أو مجموعة واحدة غير منقسمة تسمى أمة، ويفترض أن لها الأسبقية، ولها السلطة الأعلى من كل المجموعات الأخرى. ذلك هو التشكيل الاجتماعي الوحيد المتعارف عليه رسميا في اليوتوبيا القومية. والشيء المشترك بين كل سكان هذا الإقليم هو الذي يعتقد أنه هو الأكثر أهمية من جميع الأمور الأخرى التي تربط بين البشر في مجموعات مدنية أو صناعية.»
حافظت الدولة القومية القوية على هذه الوحدة، فألغيت الملكية الخاصة، لا لتحقيق المساواة بين المواطنين فقط أو بسبب تأثيرها الفاسد، بل لأنها (أي الملكية الخاصة) تمثل خطرا على وحدة الدولة. وتحدد الموقف من الأسرة أيضا بالرغبة في المحافظة على وحدة الدولة. وبقيت يوتوبيات كثيرة ضمن التراث الأفلاطوني، فألغت الأسرة والزواج المعقود بين زوج وزوجة، بينما تبعت يوتوبيات أخرى توماس مور، ودافعت عن خصوصية الأسرة والزواج وتربية الأطفال وتعليمهم داخل نطاق الأسرة. وأخذ مجموعة ثالثة بحل وسط، وذلك بالإبقاء على المؤسسات الأسرية، وإن عهدت للدولة بمهمة تعليم الأطفال.
لقد انطلقت اليوتوبيات التي أرادت إلغاء الأسرة من نفس الأسباب التي جعلتها تلغي الملكية. واعتبرت الأسرة عاملا مشجعا على تنمية الغرائز الأنانية، ومن ثم على تفكيك وحدة الجماعة. وفي الجانب الآخر يرى المدافعون عن الأسرة أنها هي عمادة الدولة المستقرة، بل والخلية الأساسية فيها، والحقل الذي يتم فيه التدريب على فضائل الطاعة والولاء للدولة. ويعتقد أصحاب هذا الرأي بحق أن الأسرة التسلطية التي هي بعيدة كل البعد عن خطر غرس الاتجاهات الفردية في نفوس الأطفال، تعودهم، على العكس من ذلك، على احترام سلطة الأب، وبالتالي سوف يطيعون في النهاية أوامر الدولة بغير اعتراض.
إن الدولة القومية تتطلب بالضرورة طبقة حاكمة، أو فئة تمسك بزمام السلطة المتحكمة في بقية الشعب. وبينما اهتم مؤسسو الدول المثالية اهتماما كبيرا بعدم السماح للملكية أن تفسد الطبقة الحاكمة أو توقع الشقاق بين أعضائها، فإنهم على العموم لم يدركوا أن خطر حب السلطة يفسد الحكام ويفرق بينهم ويوقع الظلم على الشعوب. وكان أفلاطون هو المذنب الرئيسي في هذا الصدد. فقد عهد إلى حراسه بكل السلطة في المدينة، بينما كان بلوتارك على وعي بالمفاسد التي يمكن أن يرتكبها الأسبرطيون، وإن لم يقدم علاجا شافيا منها. وقدم توماس مور تصورا جديدا، وهو تصور الدولة التي تمثل جميع المواطنين، باستثناء قلة من العبيد. لقد كان نظامه من النوع الذي ندعوه بالنظام الديمقراطي، إذ يمكن القول إن ممثلي الشعب هم الذين يمارسون السلطة. ولكن هؤلاء الممثلين يملكون تنفيذ القوانين، أكثر من سلطة وضعها أو صياغتها؛ لأن جميع القوانين الأساسية قد تم وضعها من قبل المشرع. وهكذا شرعت الدولة مجموعة من القوانين التي لم تشارك الجماعة في صنعها. والأكثر من هذا، أن الطبيعة المركزية لتلك الدولة جعلت هذه القوانين ذاتها تسري على كل المواطنين، وعلى كل قسم من أقسام الجماعة دون أن يأخذ المشرعون في اعتبارهم العوامل الشخصية المتنوعة. ولهذا السبب، عارض بعض كتاب اليوتوبيات، مثل جيرارد ونستنلي، الجماعة التي تفوض سلطتها لهيئة مركزية، لأنهم خشوا أن تفقد الجماعة حريتها، وأرادوا أن تبقي الجماعة على استقلال حكومتها. بل إن كلا من جبرييل دي فواني وديدرو قد ذهب إلى أبعد من ذلك بإلغاء الحكومات إلغاء تاما.
إن وجود الدولة يتطلب مجموعتين من قواعد السلوك الأخلاقي؛ لأنها لا تقسم الشعب إلى طبقات فحسب، وإنما تقسم البشرية إلى أمم. فغالبا ما يتطلب الولاء للدولة إنكار مشاعر التكافل والتعاون المتبادل الذي يوجد بشكل طبيعي بين الناس، وتفرض الدولة أنواعا معينة من قواعد السلوك التي تحدد العلاقة بين المواطنين والعبيد أو «البرابرة»، فكل ما هو محرم في العلاقات القائمة بين المواطنين المتساوين، مسموح به تجاه أولئك الذين يعدون كائنات أدنى منزلة. وبينما يتحلى المواطن اليوتوبي بالرقة ودماثة الخلق في تعامله مع من هم في نفس منزلته، فإنه يتسم بالفظاظة في تعامله مع عبيده، إنه يحب السلام في وطنه، ولكنه يشن أبشع الحروب خارج الحدود. وقد سمحت جميع اليوتوبيات، التي حذت حذو أفلاطون، بهذه الثنائية في الإنسان. ووجود هذه الثنائية في المجتمع، كما نعرفه، حقيقة معروفة بصورة كافية، ولكن عدم التخلص منها في «مجتمع كامل» هو الذي يبدو أمرا غريبا. إن النموذج العالمي في جمهورية زينون الذي أعلن أخوة البشر من الأمم كافة، هو نموذج ندر من تبناه من كتاب اليوتوبيا. وتوافق معظم اليوتوبيات على الحرب بوصفها جزءا حتميا من نظامها، والواقع أن الأمر لا بد أن يكون كذلك، لأن وجود الدولة القومية هو الذي يولد الحروب على الدوام.
إن الدولة اليوتوبية التسلطية لا تسمح بوجود أي شخصية تكون من القوة والاستقلال، بحيث تتصور إمكان التغيير أو التمرد. وما دامت المؤسسات اليوتوبية تعتبر كاملة، فمن البديهي أنها لن تكون قابلة للإصلاح. إن الدولة اليوتوبية في جوهرها دولة سكونية، ولا تسمح لمواطنيها بأن يناضلوا أو حتى أن يحلموا بيوتوبيا أفضل.
Page inconnue