Les éloges prophétiques dans la littérature arabe
المدائح النبوية في الأدب العربي
Genres
22 (7)
ننتقل إلى الأهم من أمر الكميت، وهو حبه لأهل البيت، وليس من المغالاة أن نقول إن حبه للرسول وأهله كان أقوى ما عرف من عواطف الشعراء لذلك العهد، وهو في حبه هذا يمثل الروحانية أصدق تمثيل، وما ظنكم برجل يفنى في حبه فناء تنمحي الدنيا في سبيله، أو تكاد، ويمضي فيتغنى بحب الرسول وأهل بيته في أيام كان مدح الرسول فيها يعرض الشاعر لغضب بني أمية، وبيدهم الحول والطول، وما كان بنو أمية بكافرين حتى يؤذيهم مدح الرسول، ولكن السياسة كما أشرنا من قبل كانت ترى في مدح الرسول تزكية للهاشميين، وكان الكميت يصرح بأنهم انتهبوا الخلافة بغير حق، وهي في رأيه ميراث الرسول لا يصلح لها إلا أهله الأقربون.
وشواهد التاريخ تدلنا على أن الهاشميين كانوا في حال من اليأس لا يرهبهم فيها عدو، ولا يرجوهم صديق ، وهذا يزيد في أقدار من تعصبوا لهم من الشعراء، ولا سيما إذا لاحظنا أن الكميت كان يتوجع لبني هاشم توجعا يثير الدمع، وكان يحن إلى مودتهم حنينا هو أقباس من التصوف، وكانت له معهم نوادر تفصح عن صدق سريرته أجمل إفصاح، وإليك هذا المثال:
دخل الكميت على أبي عبد الله جعفر بن محمد، فقال له: جعلت فداك! ألا أنشدك؟
فقال أبو عبد الله: إنها أيام عظام! فقال الكميت: إنها فيكم. فقال هات! وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله فقرب فأنشده، وكثر البكاء حين أتى على هذا البيت:
يصيب به الرامون عن قوس غيرهم
فيا آخرا أسدى له الغي أول
فرفع أبو عبد الله يديه، وقال: اللهم اغفر للكميت ما قدم وما أخر، وما أسر وما أعلن، وأعطه حتى يرضى!
ومن المؤكد عندنا أن هذه الدعوة كانت أحب إلى قلب الكميت من سني العطاء، ودليلنا على ذلك أنه دخل يوما على أبي عبد الله فأعطاه ألف دينار وكسوة، فقال له الكميت: «والله ما أحببتكم للدنيا، ولو أردت الدنيا لأتيت من هي في يديه، ولكني أحببتكم للآخرة، فأما الثياب التي أصابت أجسامكم، فأنا أقبلها لبركتها، وأما المال فلا أقبله» وكذلك رد المال، وقبل الثياب.
23
Page inconnue