ذي
1319
إلى أن أعلن الدستور العثماني، فعين بعد ذلك ناظرا للداخلية؛ وهو اليوم عضو بمجلس الأعيان
لقد استعنت في هذا التلخيص بمظان جمة أهمها: «قاموس الأعلام» الذي وضعه المرحوم العلامة شمس الدين بك سامي، وتقويم ولاية سيواس الرسمي الذي رتبه الفاضل الجليل رشيد عاكف باشا، وقام بتحرير القسم التاريخي فيه صديقي الشاعر التركي المجيد سامح بك فتحي، وهو من أحفاد علاء الدين باشا الداماد الذي تقدم ذكره في أسماء الولاة. وقد اعتمد سامح بك في أكثر رواياته التاريخية على «تقويم مسكوكات» وهو من الكتب التركية المعتبرة، وكنت أود أن أزيد هذا الفصل إسهابا، ولكن خفت الخروج عن موضوع الكتاب.
ومما أسفت له أني لم أجد كتابا أعتمده لأنقل عنه شيئا من تاريخ سيواس قبل الدولة الدانشمندية؛ فإن الكتب الإفرنجية لا تشفي غليل الباحث، وكل كلام تضمنته في سيواس موجز أشد الإيجاز، والكتب العثمانية أكثر منها إيجازا، فكان محصول الاستقصاء على قدر المستطاع لا على قدر الواجب.
رجال الدين في سيواس
رجال الدين في كل أقطار الأرض حرب على الناس؛ فهم يبدون غير ما يخفون ويأمرون بما لا يعملون، ومنهم من صدق إيمانه وكانت سريرته كعلانيته وهم أقل من القليل، والذين أريد ذكرهم أو الإشارة إليهم في هذا الفصل قوم فيهم فضل ومعرفة وأوتوا فطنة ودهاء، ولكن حظهم مما أوتوه أقل مما تعرضوا له من تهذيب الناس وتعليمهم، ثم غلب عليهم النفاق فاتخذوا إيمانهم ذريعة إلى المال ورضاء للسلطان، وإلا فليست التقوى سبيلا إلى شقاوة المرء، وجميل الظن بالخالق سبحانه وتعالى وعبادته لا يحملان على إيذاء خلقه، والبررة كالفجرة، لهم أنفس تشتهي وأفئدة تتطرب وأهواء تستأثر، وحسب التقي أن يكون تقيا وأن يدعو الناس بلسانه إلى انتهاج نهجه، لا مورطا ولا ظالما. والمتجاوزون حدود النصح مزاحمون للأنبياء، والمغالون في النسك مشاركون للمنافقين، والدين لا ينصر بالشطط ولا يخذل بالتهاون.
عرفت من علماء سيواس رجلا اسمه أمين أفندي، هو عضو بمحكمة الجزاء الابتدائية، وكنت أغشى منزله مع صديقي وخالي أمير باشا أحد أمراء الجراكسة بسيواس، فنأخذ في حديث الصوفية ويستعر بيننا الجدال، فكنت أجده رحب الصدر في مناظرته، صبورا على شدائد البراهين، إذا انتهى به الجدل إلى العي أمسك عن الاستمرار واستطرد إلى ذكر ملح ونوادر يستطيبها السامعون، وكان يقول لي: إن ما بيني وبينك لمختلف جدا، أنا أحاول أن أقرك على التصوف وأنت تحتال في إخراجي إلى التفرنج، وليس أحدنا بالغا أربه. وكنا في بعض زياراتنا له نستصحب علي أفندي؛ وهو من علماء قونية، يأتي كل سنة مرة فينزل بدار أمير باشا أياما ثم يرجع إلى بلده، وكان علي أفندي وعظ الناس في الجامع، فنهاهم عن اتخاذ التماثيل والصور، وجعل يقول إن الملائكة لا تدخل دارا فيه صور، فلما حضر بعض مجالسنا عند أمين أفندي أصغى إلى كلامي إصغاء المتأمل، فكان كلما أنكر شيئا سألني عليه برهانا، حتى إذا فرغنا وخرجنا نطلب منازلنا قال لي: لا عيب فيك سوى أنك شديد الانحراف عن السلف الصالح، فأقول: أما السلف فنعم وأما الصالح فلا.
وقد زارني أمين أفندي ومعه علي أفندي، فرأياني آخذا آلة التصوير أصور بها أمير باشا، فقالا لي: أهذا دأبك الدهر؟ قلت: لا، ولكنني أتلهى بذلك حين لا أجد لهوا غيره، وسألتهما أن يجلسا معا لأصورهما، فأحجما ثم انصاعا وصورتهما، ولا تزال صورتهما عندي. ولما قال أمير باشا لعلي أفندي: أتدعه يصورك وأنت تنهى عن اتخاذ الصور في البيوت؟ قال: دعني: رأيت هذا الرجل أعرف مني بالحق، فلا يقولن مذ اليوم شيئا وأخالفه فيه.
ولأهل سيواس في أمين أفندي أقاويل يكذبونها، غيظة منه وبغضا له. وقد زعموا أنه قال: إن الله تنكر ذات ليلة فدخل إحدى الكنائس، وأراد جبريل أن يدخل عليه في أمر عرض، فلما لم يجده على عرشه أكبر ذلك وانطلق يفتش عليه، فرأى الله مختبئا وراء صنم من أصنام الكنيسة. وهذا قول لا يقوله أجهل الناس، فكيف يقوله أمين أفندي.
Page inconnue