Machiavelli : une très brève introduction
مكيافيللي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
2
خلال صيف عام 1506 كتب مكيافيللي «معايير إعداد المشاة»، مؤكدا على «ضآلة الآمال التي يمكن عقدها على القوات الأجنبية والمأجورة»، ومشددا أن على المدينة بدلا من ذلك أن «تتسلح بأسلحتها وبرجالها» (3). بحلول نهاية العام، كان المجلس الأعلى قد اقتنع أخيرا، وأنشئت لجنة حكومية جديدة، هي «لجنة التسعة للقوات المسلحة»، وانتخب مكيافيللي سكرتيرا لها، وبات أحد أعظم أهداف الحركة الإنسانية الفلورنسية حقيقة واقعة.
ربما كان المرء ليفترض أن تحمس مكيافيللي لقواته العسكرية كان ليفتر على إثر ما أظهرته من أداء كارثي عام 1512، حينما أرسلت للدفاع عن براتو فاكتسحها تقدم قوات المشاة الإسبانية دون جهد يذكر. لكن ما حدث أن حماسه ظل على توهجه؛ إذ نجده بعد مرور عام يؤكد على حكام عائلة مديتشي في نهاية كتاب «الأمير» أن ما عليهم أن يتأكدوا من فعله «قبل كل شيء» هو تزويد فلورنسا بجيوشها الخاصة (90). وعندما نشر كتابه «فن الحرب» عام 1521 - أطروحته الوحيدة التي طبعت أثناء حياته عن فن الحكم - واصل تكرار الحجج نفسها. كان الكتاب الأول كله مكرسا لتبرئة ساحة «نظام الجيش الوطني» في مواجهة من شككوا في جدواه (580). ومكيافيللي يسلم، بطبيعة الحال، أن هذه القوات ليست في منعة من الهزيمة، لكنه مع ذلك يصر على تفوقها على أي نوع آخر من القوات (585). ويستنتج بنفس المبالغة في التأكيد أن الحديث عن أن امرأ حكيما يرى عيبا في فكرة الجيش الوطني، هو ببساطة حديث يحمل شيئا من التناقض (583).
الآن يمكننا أن نفهم لماذا شعر مكيافيللي بإعجاب شديد تجاه شيزاري بورجا بصفته قائدا عسكريا، وأكد في كتاب «الأمير» أن سلوك الدوق يمثل أفضل مبادئ يمكن أن تقدم إلى أي حاكم جديد (23). فقد كان مكيافيللي حاضرا - كما رأينا - عندما اتخذ الدوق القرار الوحشي بالقضاء على قواده المرتزقة، والاستعاضة عنهم بقواته الخاصة. يبدو أن هذه الاستراتيجية الجريئة كان لها تأثير حاسم في تشكيل أفكار مكيافيللي؛ فهو يعود إليها بمجرد أن يطرح مسألة السياسة العسكرية في الفصل الثالث عشر من كتاب «الأمير»، متعاملا معها باعتبارها مثالا نموذجيا على التدابير التي يتعين على أي حاكم جديد أن يتخذها. فبورجا محل إشادة لأنه في المقام الأول أدرك دون تردد أن القادة المرتزقة عديمو الولاء على نحو خطير، ويستحقون أن يقضى عليهم بلا رحمة. بل إن مكيافيللي يفرط في مدح بورجا لفهمه الدرس الأساسي بأن أي أمير جديد في حاجة إلى أن يعلم أنه من الضروري عليه - إذا كان يرغب في الحفاظ على دولته - أن يتوقف عن الاعتماد على «الحظ» والقوات الأجنبية، وأن يؤسس فرقه الخاصة من الجند، وأن يجعل نفسه «سيدا مسيطرا على قواته» (25-26، 49).
القوات والرجل: هذان هما الموضوعان المهمان اللذان يتناولهما مكيافيللي في كتاب «الأمير». الدرس الآخر الذي يأمل بالتالي أن يقدمه إلى وطنه ولحكام عصره، مفاده أن الأمير الذي يتطلع لتسنم ذرى المجد يجب عليه، إلى جانب امتلاكه جيشا جديرا بالثقة، أن ينمي في نفسه الصفات المناسبة لقيادته كأمير، وطبيعة هذه الصفات قد جرى تحليلها تحليلا فعالا على يد الفلاسفة الأخلاقيين الرومان من قبل. كان هؤلاء قد برهنوا في المقام الأول على أن جميع القادة العظام بحاجة إلى حد ما لأن يكونوا محظوظين؛ لأنه إذا حدث ولم يبتسم الحظ، فما يرجى أن يساعدنا أي قدر من الجهد البشري المجرد على بلوغ أسمى أهدافنا. لكن كما رأينا، فإنهم أكدوا أيضا أن ثمة مجموعة خاصة من الصفات التي تميز «الرجل» غالبا ما تجذب انتباه «الحظ» على نحو إيجابي، وبهذه الطريقة تكاد هذه الصفات تضمن لنا تحقيق الشرف والمجد والشهرة. وأفضل تلخيص للافتراضات التي ينطوي عليها هذا الاعتقاد هو ذلك الذي قدمه شيشرون في كتابه «مناقشات توسكولوم»؛ حيث يذكر أننا إذا تصرفنا من منطلق التعطش إلى «القوة» دون أدنى قدر من التفكير في الفوز بالمجد نتيجة لذلك، فإن هذا سيمنحنا أفضل فرصة للفوز بالمجد أيضا، شريطة أن يبتسم الحظ؛ وذلك لأن المجد هو مكافأة «القوة» (1 : 38، 91).
تبنى الفلاسفة الإنسانيون إبان «عصر النهضة» في إيطاليا هذا التحليل دون تغيير، ومع نهاية القرن الخامس عشر، كان قد نشأ ضرب أدبي واسع النطاق من كتب إرشادات الفلاسفة الإنسانيين للأمراء، وبدأ يصل إلى جمهور لم يسبق لاتساعه مثيل، من خلال وسيلة الطباعة التي كانت حديثة العهد حينئذ. كان هناك كتاب مميزون، مثل بارتولوميو ساكي وجوفاني بونتاتو وفرانشيسكو باتريتزي، كتبوا جميعا أطروحات لإرشاد الحكام الجدد، تأسست كلها على نفس المبدأ الأساسي، وهو أن امتلاك «القوة» مفتاح نجاح أي أمير؛ إذ يؤكد بوتانتو مشددا في كراسته عن كتاب «الأمير»، أن أي حاكم يرغب في تحقيق أسمى غاياته «يجب أن يدفع نفسه إلى اتباع ما تمليه «القوة» عليه» في جميع تصرفاته المتعلقة بشئون الدولة. إن «القوة» هي «أروع الأشياء في العالم»، أكثر روعة حتى من الشمس؛ لأن «العميان لا يستطيعون رؤية الشمس»، بينما «يستطيعون رؤية «القوة» بأقصى قدر ممكن من الوضوح.»
3
إن مكيافيللي يؤكد تحديدا على نفس المعتقدات بشأن العلاقات التي تربط بين «القوة» و«الحظ» وتحقيق أهداف الأمير؛ فهو أولا يوضح هذه الحقائق الإنسانية في الفصل السادس من كتاب «الأمير»، حيث يرى أنه «في الإمارة الجديدة تماما، حيث يوجد حاكم جديد، ستتوقف الصعوبة التي سيواجهها الحاكم من أجل الحفاظ عليها» بالدرجة الأولى على «مدى قوته» (19). وهذه حقيقة يؤكدها فيما بعد ما ورد في الفصل الرابع والعشرين، والهدف منها هو تفسير «سبب فقدان حكام إيطاليا دولهم» (83). يصر مكيافيللي على أن اللوم ينبغي ألا يلقى على «الحظ» فيما لحق بهؤلاء الحكام من هوان؛ وذلك لأن كل ما فعلته إلهة «الحظ» هو أنها «أظهرت قوتها» حينما لم يكن الرجال أولو «القوة» على استعداد لمقاومتها (84، 85). لذا فإن خسائرهم ترد ببساطة إلى عدم إدراكهم أن «الدفاعات الفعالة والمضمونة والدائمة» الوحيدة هي تلك المبنية على «قوة» المرء الخاصة (84). ثمة تأكيد آخر على دور «القوة» في الفصل السادس والعشرين، في سياق «التوصية» القوية بتحرير إيطاليا، والتي يصل بها كتاب «الأمير» إلى نهايته. عند هذه النقطة يعود مكيافيللي إلى الإشارة إلى القادة المتفردين الذين أشاد بهم في الفصل السادس بسبب ما يتمتعون به من «قوة» ظاهرة؛ موسى وسايروس وثيزيوس (20). ويشير ضمنا إلى أن إنقاذ إيطاليا يتطلب بالضرورة اتحاد قدراتهم المذهلة مع أعظم قدر من حسن «الحظ». ثم يضيف في لحظة إطراء غير معهودة أن حكام عائلة مديتشي المجيدة يتمتعون لحسن الحظ بكل الصفات اللازمة لذلك؛ فهم يملكون «قوى» هائلة، ويحالفهم «الحظ» بقوة، ويدعمهم «الرب والكنيسة» (88).
في كثير من الأحيان يشكى من أن مكيافيللي لا يقدم أي تعريف لصفة «القوة»، وأنه بريء من أي استخدام ممنهج لهذه الكلمة، لكن سيتبين الآن أنه يستخدمها استخداما كامل الاتساق؛ فقد تعامل معها - سيرا على نهج أساتذته الكلاسيكيين والإنسانيين - باعتبارها الصفة التي تمكن أي أمير من الصمود في وجه خيانات «الحظ»، كي يستجدي رضا الإلهة، ويرتفع بالتالي إلى قمم شهرة الأمراء، فيفوز بالشرف والمجد لنفسه وبالأمن لحكمه.
لكن يبقى أن نأخذ في الاعتبار ماهية الصفات المميزة التي يتوقع أن تتوافر في الرجل ذي الإمكانات «القوية». كان الفلاسفة الأخلاقيون من الرومان قد ورثوا تحليلا معقدا لمفهوم «القوة»، يصور بوجه عام «الرجل» الحق بأنه رجل يتمتع بثلاث مجموعات متميزة، ومرتبطة أيضا، من الصفات، وذهبوا إلى أنه يتمتع في المقام الأول بأربع فضائل «جوهرية»، هي الحكمة والعدل والشجاعة وضبط النفس، وهي ذات الفضائل التي كان شيشرون (سائرا على خطى أفلاطون) قد بدأ بتسليط الضوء عليها في افتتاحية كتاب «الواجبات». لكنهم أيضا نسبوا إليه مجموعة أخرى من الصفات صارت ينظر إليها فيما بعد باعتبارها تخص «الأمراء» في طبيعتها. أهم هذه الصفات - والفضيلة المحورية في كتاب «الواجبات» لشيشرون - كانت ما أسماها شيشرون «الأمانة»، قاصدا بذلك الاستعداد لصون العهد والتعامل بشرف مع كل الرجال في جميع الأوقات، وهي صفة اعتقد أنها في حاجة إلى أن تلحق بصفتين أخريين، ورد وصفهما في كتاب «الواجبات»، وتناولهما سينيكا بتحليل واسع النطاق، حيث خصص لكل منهما أطروحة مستقلة، إحداهما شهامة الأمراء، وهي الموضوع الذي ناقشه سينيكا في كتابه «عن العفو»، والأخرى هي التسامح، وتشكل إحدى النقاط الرئيسية التي ناقشها سينيكا في كتابه «عن المنافع».
Page inconnue