Les batailles des Arabes en Andalousie
معارك العرب في الأندلس
Genres
ويقودها الحقد - مع ما بها من وهن العود - إلى التخلص من الغاصب على غير روية وهدى؛ فتحالف دولة مخوفة الجانب، تستنصرها وتستخلصها مغترة بما تجد عندها من العطف ولين المواعيد، ويتغافل أصحاب الحكم فيها عن الخطر الجديد في الحلف الجديد، يتهافتون عليه عامهين، وهم لو راجعوا قرارة نفوسهم لرأوا أنهم لم يقعوا على أهون الشرين.
بل حب التشفي من المتسلط القديم، والأمل المعقود على الموهوم من فضيلة التغيير، يجعلهم يتعامون عن الخطر الأعظم، لا يبصرون لديه إلا خيرا وفرجا؛ فتمتد إليه الأيدي داعية، مستجيرة من الرمضاء بالنار، لجوء أمراء الأندلس إلى ملوك إسبانية متناسين مطامع قشتالة وأرغون، وتاريخا صارخا مخطوطا بالدماء، أو كما لجئوا إلى الموحدين يستقدمونهم.
وإنما هم يستبدلون دولة إفريقية ظافرة، بدولة إفريقية مغلوبة، وينتقلون من استعباد إلى استعباد، لا يخطر لهم على بال أن يبحثوا في ذواتهم عن الداء والدواء بحثا صادقا مجديا؛ ليدركوا أن ما بهم من هزال ناشئ عن شقاقهم وتخاذلهم؛ نتيجة مرض السيادة فيهم، وعدوان قويهم على حرية الضعيف؛ فأصبح بعضهم يناصب الآخر أو يخذله إذا واثبه عدو غريب، وربما حالف هذا العدو عليه، لا يبالي ما يجر على بلاده وقومه من الهوان والدمار، فبين أمراء الأندلس تبادل لا ينقطع من الطمع والحذر وإضمار الشحناء، مع ما هم عليه من الاستهداف الطبيعي لغزوات جيرانهم في الشمال والجنوب.
ومعلوم أن الممالك الإسبانية لا تقل عن الممالك الأندلسية تباغضا وخلافا، غير أنهم كانوا يدفنون أحقادهم إلى حين عند تكالب الأخطار؛ فيتهادنون، أو يتحالفون ليصرفوا قواهم إلى مجاهدة أعداء الدين، وإن كان بعضهم لا يستنكف أحيانا أن يحارب أبناء ملته في صفوف المسلمين.
ويجدون عدا ذلك - في الدول المسيحية المجاورة - أعوانا يخفون إلى نصرتهم رغبة في الجهاد، أو شهوة للغنائم، لا طمعا في الاستيلاء على بلادهم وإزالة كلمتهم، كما يطمع سلطان مراكش في التغلب على الأندلس، فيستبد بشئونها المرابطون، ثم يستبد بشئونها الموحدون.
وقد صبر الأندلسيون على حكم أبناء تاشفين زهاء قرن، يقدمون لهم الطاعة كرها، ولا يحجمون - إذا أمكن - عن خذلهم في محاربة المسيحيين، حتى سقطت سرقسطة في يدي ألفنس المحارب 1118م.
ثم تلتها معارك أخرى، افتتحت خلالها قلاع حصينة كان يعتصم بها الملثمون، من بينها قلعة أيوب (Calatajud) ، أناخ عليها ألفنس سنة 1120م، فدافعه دونها الأمير تميم، ثم اضطر أن ينزل عنها بعدما صرع أمامها عشرون ألفا من جنوده الأباسل.
فهذه الهزائم المتتابعة نالت من هيبة المرابطين، وأطمعت فيهم أهل الأندلس؛ فاستهانوا الوثوب عليهم لإجلائهم واستعادة الحق المغصوب، وكانت قرطبة في رأس القواعد الأندلسية سخطا وحنقا، يؤذي كرامتها جنف الصحراويين وغلاظتهم، ولم يأن لها أن تنسى عزتها الملوكية والعرش الأثيل، فهبت ثائرة تضرب في وجه الحامية المرابطية، وتريها المنايا ألوانا، حتى حملت علي بن تاشفين على أن يعبر الزقاق بجيش لهام، فيخمد ثورتها بعد عناء.
ولكن، ما حيلة المرابطين وقد تأذن القدر بانهيار سلطانهم، فتركهم غرضا لسهامه! فبينا هم يغالبون أحرار الأندلس حينا، وغزاة الإسبان أحيانا، أخذت ثورة الموحدين تحتدم في المغرب، فتستأثر بقواتهم، وتشغلهم عن ضبط ولايتهم عبر المضيق ودرء الأعداء عنها.
فإن الدعوة التي أظهرها مهدي بني مصمودة محمد بن تومرت كانت بليغة التأثير، سريعة الانتشار؛ فتبعه خلق كثير، فجند منهم عشرة آلاف، وقدم عليهم أبا محمد البشير أحد صحابته العشرة، وبعثهم لمجاهدة المرابطين، فراحوا يغزون في بلاد المغرب، وينكلون بالجيوش المرابطية 1122م حتى أوقعوا الذعر في القلوب.
Page inconnue