Macarij Amal
معارج الآمال لنور الدين السالمي- حسب الكتب
Genres
المسألة الأولى: [هل العقل حاكم في الأشياء كلها؟] ذهبت المعتزلة خلافا للأمة إلى أن العقل هو الحاكم في الأشياء كلها، وأن الشرع إما مؤكد لحكم العقل، وإما مبين لما خفي على العقل بيانه، وجعلوا الشرع كالطبيب الذي يصف طبائع العقاقير، فإن طبائع العقاقير موجودة فيها ولو لم يبينها الطبيب، لكنها تخفى على أكثر الناس، فكذلك الشرع في بيان ما خفي على العقل حكمه.
قالوا: فما يدرك جهة حسنه أو قبحه بالعقل من الأفعال التي ليست اضطرارية ينقسم إلى الأقسام الخمسة؛ لأنه إن اشتمل تركه على مفسدة فواجب، أو فعله فحرام، وإلا فإن اشتمل على مصلحة فمندوب، أو تركه فمكروه، وإلا فإن لم يشتمل شيء من طرفيه على مفسدة ولا مصلحة فمباح.
قالوا: وما لا يدرك جهته بالعقل لا في حسنه ولا في قبحه، فلا يحكم فيه قبل الشرع بحكم خاص تفصيلي في فعل إذ لم يعرف فيه جهة تقتضيه.
وهذا كله باطل؛ لأنا لو نظرنا قبل مجيء الشرع في شكره تعالى على إنعامه علينا لكان العقل يقتضي عندهم أن شكره تعالى واجب من غير أن يتوقف في ذلك على مجيء الشرع؛ لأن معرفته تعالى ومعرفة كونه منعما يدركهما العقل بدون الشرع، وكذا يدرك بدونه حسن شكر المنعم وقبح كفرانه، فيدرك إذا وجوب الشكر وتحريم الكفران بدون الشرع.
Page 162