بسم الله الرحمن الرحيم
وبه المعونة
كتاب الخيل
قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري: أنشدني الرياشي عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء لأبي داوود الإيادي هذه الأبيات إلا ككنانة الزغري فإنه لم يحفظه.
لقد ذُعِرَتْ بَنَاتُ عَ ... مِّ المُرِشقاتِ لها بصابِصُ
بِمجوَّفٍ بلقا وأع ... لى لونه ورد مُصامِصُ
أراد أن يقول ذعرت البقر فقال: بنات عم المرشقات - وهي الظباء، والمرشق الظبية التي تمد عنقها وتنظر فهي كذلك أحسن ما تكون، والظباء بنات عم البقر لأنها وحش تشبّه بها، والبقر لا تكون مرشقات لأنها وُقص قصار الأعناق، وبصابص حركات الأذناب، يقال بصبص إذا حرك ذنبه، ومثل للعرب بصبصن إذ حُدين، والمجوف الفرس الذي بلغ البلق بطنه وهو التجويف - يقال ما أحسن ما جُوف.
1 / 1
قال طفيل:
شميطُ الذنابي جُوِّفَتْ وهي جَونةٌ ... بنُقبةِ ديباجٍ ورَيط مقطع
الشمْط الخلط يقول اختلط في ذنبها بياض وغيره، يقال اشمُط له العلف أي اخلط، ويقال للصبح شميط.
والجونة السوداء والنقبة اللون يريد أن التجويف منها كالديباج والربط.
وأنشدني عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب ابن أخي الأصمعي عن عمه للرخيم العبدي في شعر له طويل:
ومجوّف بلقا ملكتُ عنانَه ... يعدو على خمسٍ قوائمه زكا
يعدو على خمس أُتن، وقوائمه زكا زوج يريد أنها أربع، وقوله ملكت عنانة أي صار لي.
وقال الأصمعي ليس هذا من الوصف جيدًا لأن كل بياض يجاوز العرقوبين عيب في العتاق.
والمصامص الخالص من كل شيء يريد أنه خالص في العراب ليس بهجين.
ككنانة الزُغَري زي ... نها من الذهب الدُلامص
هذه كنائن يؤتى بها من بلد من الشام، يقال له زغر تعمل من أدم أحمر وتذهَّب.
1 / 2
والدلامص البراق، يقال امرأة دُمَلِصة ودلمصة مقلوب إذا كانت ملساء تبرق، شبه لونه بألوان من هذه الكنائن.
وقال امرؤ القيس يصف حمارًا:
كأن سَرَاتَه وجُدة متنِهِ ... كنائنٍ يجرى فوقهنَ دليصُ
أي صقال، يريد الذهب.
يمشي كمشي نعامتيْ ... ن تتابعان أشقَّ شاخص
هكذا أنشدنيه الرياضي عن الأصمعي - وأنشدنيه السجستاني عن أبي عبيدة.
يمشي كمشي نعائمٍ ... يشتالهن أشق شاخص
قوله يمشي كمشي نعامتين يقول إذا مشى اضطرب فارتفعت عجزه مرة وعنقه مرة أخرى، وكذلك مشي النعامتين إذا تتابعتا تقاصر واحدة وتطاول واحدة فإذا مشت المتقدمة ارتفع الصدر وإذا مشت المتأخرة ارتفع العجز، والأشق الطويل.
وسُمع عقبة بن رؤبة ينعت فرسًا أو رجلًا فقال: " هو والله أشق أمق خبق " قال الأصمعي الأشق والأمق والخبق الطويل، وروى غيره عن الأصمعي أن أمق وخبق تأكيد أن لأشق.
يَخْرُجْنَ مِنْ خَلَلٍ الْغُبَا ... رِ فُجامِزُ الوَلقى وقابصُ
1 / 3
الولقي والجمزي المر السريع، والقابص الذي يعدو على الأطراف كأنه ينزو في عدوه، والقبص الأخذ بأطراف الأصابع والقبض بالكف.
وقال المرار العدوي يصف فرسًا:
سائلٍ شمرٍ أخ ذي جُببٍ ... سَلْطِ السنبكِ رسغ عَجُرْ
الشمراخ الغرة التي استدقت في الجبهة، والجبب أن يبلغ بياض التحجيل ركبة اليد وعرقوب الرجل - أو ركبتي اليدين وعرقوبي الرجلين يقال فرس مجبب بين التجبيب، عجر غليظ، وسلط طويل.
فهو وردُ اللونِ في ازبئرارِهِ ... وكميتُ اللونِ ما لم يزبئرُ
الازبئرار الانتفاش، ومنه قول امرؤ القيس:
سود يفئن إذا تزبئر
يقول إذا سكنت شعرته استبانت كمتته وإذا ازبأر استبانت أصول
1 / 4
الشعر وهي أقل حمرة من أطرافه، ومثله قول ساعدة بن جؤية وذكر وعلا:
يحول لونًا بعد لونٍ كأنه ... بشفانِ يوم مقلِعِ للوبل يُصرّدِ
أراد أنه يقشعر فيخرج باطن شعره فيبدو لون غير لونه ثم يسكن فيعود لونه الأول، والشفان الريح الباردة.
ومثله له:
يحولُ قشعر يراتُه دون لونه ... فرائصُهُ من خيفةِ الموتِ تُرعَدُ
وقال الفراء في قول الله ﷿ " فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان " أراد فرسا وردة تكون في الربيع وردة إلى الصفرة فإذا اشتد البرد كانت وردة حمراء فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغبرة، فشبه تلون السماء بتلون الوردة من الخيل، وشبه الوردة في اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه، ويقال أن الدهان الأديم الأحمر، وقال كثير يمدح:
إذا ما لَوَى صَنَعَ به عدنيةً ... كلونِ الدهانِ وردة لم تَكمّت
الصنع الخياط، تكمت تضرب إلى الكمتة - وقال النابغة:
1 / 5
وما حاولتُما لجماعٍ جيَشٍ ... يصونُ الوردَ فيه والْكُميتَ
خص الورد والكميت لصلابتهما، والصائن الذي يتقي على حافره من الحفي والوجي - وقال أبو النجم:
يبرى لنا أحْوَى خفيفَ نقلهِ ... أغرَّ في البُرقعِ بادٍ حجله
يقول غرته شادخة فقد ظهرت من البرقع، والشادخة التي قد فشت وملأت الجبهة، يقال فرس شادخ الغرة.
وقال سلمة بن الخرشب الأنماري:
كميتُ غيرُ مُحلِفةٍ ولكن ... كلون الصِرفِ عُلّ به الأديم
المحلف الذي يشبه الأشقر في ذنبه وناصيته ويشبه الأحوى، وأصله أنه يشك فيه حتى يختلف فيه فيقول واحد هو كميت ويقول آخر هو أشقر أو أحوى فيحلف هذا ويحلف هذا، ومن هذا قولهم " حَضارِ والوزن محلفان " وهما نجمان أي يظن بهذا أنه هذا وبهذا أنه هذا ويحلف كل واحد على ما ادعاه، والصرف نبت أحمر يصبغ به
1 / 6
الأديم، وقال كثير يصف خيلًا:
ومُقرَبةٌ دهمٌ وكمتٌ كأنها ... طماطمٌ يوفون الوِفار هنادكَ
شبهها حين حُزّمت بعجم احتزموا بالمناطق، ويوفون الوفا رأى يطولون الشعور، هنادك هند والكاف زائدة، قال ابن هرمة:
كالهندكية نبذت أثوابها
وقال سلمة - ابن الخرشب:
كأن مسيحتي ورِقٌ عليها ... نمت قرطيهما أذن خذيم
المسيحة القطعة من الفضة يقول كأنها أُلبست مسيحة فضة من حسن لونها وصفاء شعرتها، وقد فسّر البيت في الخلق.
وقال عبد الله بن سَليمة يصف بعيرًا:
يُعلَى عليه مسائحٌ من فضةٍ ... وثَرى حُبابِ الماءِ غير وريسِ
الثرى أول ما يبدأ به
العرق، قال طفيل:
يُذَدن ذيادَ الخامساتِ وقد بدا ... ثَرى الماءِ من أَعطافِها المُتحلبِ
وإنما أراد الأول صفاء شعره وقصره، يقول إذا عرق فكأن عليه مسائح فضة.
1 / 7
العرق
قال زهير:
يَعودُها الطرادُ وكل يومٍ ... تُسَنَّ على سنابِكِها القرونُ
القرون العرق الواحد قرن يريد مرة بعد مرة، وأصل القرن الطلق يقال عصرنا الفرس قرنًا أو قرنين يريد العرق الذي يكون في ذلك الطلق، وإذا لم يعرق الفرس فهو صلود وذلك مذموم. والهِضَبْ الكثير العرق. ومنه قول طرفة:
وهِضَبَات إذا ابتلّ العذر
وقال خفاف بن عمير السلمي:
من المغضباتِ بفضِ القرونِ ... إذا رُدَّ منها حميمٌ غرارا
وقال المستوغر القريعي:
يِنشّ الماءُ في الربَلاتِ منها ... نَشيشَ الرّضفِ في اللبنِ الوغيرِ
1 / 8
الربلات أصول الفخذين والرضف الحجارة المحماة والوغير اللبن ساعة يحلب فسمى المستوغر بهذا البيت.
قال ابن ميادة:
هم الضاربونَ الخيلِ حتى إذا بَدَتْ ... نواجِذُها واستغضبتْها جلودها
بدت نواجذها، يريد كلحت في الحرب، ولهذا قيل لها عوابس ولا يقال عوابس إلا في الحرب.
وقال لبيد:
ومقطِعٌ حلقُ الرحالةِ سابحٌ ... بادٍ نواجذه على الإطرابِ
وأنشد:
إذا العوالي أخرَجَتْ أقصى الفمِ
وقوله واستغضبتها جلودها، أي عرقت فأغضبتها. ويقال في قوله باد نواجذه على الإطراب، وبدت نواجذها، النواجذ آخر الأضراس أي أنها تنازع فتكبح اللجام وتكف فتفتح أفواهها وتبدو
1 / 9
نواجذها، ولذلك قال بادٍ نواجذه على الإطراب، أراد أنه ينازعه على الطرب لنشاطه ومرحه فيكبحه فينفتح فوه وتبدو نواجذه.
وقال أبو النجم:
والحُصنُ شُوسُ الطرفِ كالأجادلِ ... تَردى معًا شاحيةَ الجَحافلِ
أي مفتوحة الأفواه، يقال شحافاه إذا فتحه وليس ذلك بمحمود إذا كان من عادتها، إنما يريد أنها تنازع فتكبح باللجم فتنفتح أفواهها.
وقال بشر بن أبي خازم:
تَراها من يَبيسِ الماءِ شهبًا ... مخالطَ درةٍ منها غرار
قال ابن الأعرابي: يقول لا ينقطع عرقها ولا يكثر فيضعفها، والدرة أن تدر، والغرار القلة، ويقال غارت الناقة إذا قل لبنها بعد مجيئه.
وقال غيره - أراد سيرها إذ تنفتق من عزة نفسها ونشاطها ثم ترجع إلى الذي كانت عليه من سيرتها، وعرق الخيل إذا يبس ابيض وعرق الإبل إذا يبس اصفر.
وقال طفيل الغنوي يذكر خيلًا:
كأن يبيسَ الماءِ فوق متونِها ... أشاريرُ ملحٍ في مَباءةِ مُجرِبِ
يبيس الماء العرق الجاف شبهه بالملح، والأشارير لحم يشر كما يشر الإقط واحدها إشرارة.
1 / 10
والمجرب الذي قد جربت إبله وهو يجمع الملح ليداويها به.
وقال طفيل:
كأن على أعطافِهِ ثوبٌ مائحٌ ... وإن يُلق كلب بين لحييه يذهبُ
المائح الذي يدخل البئر فيملأ الدلو فيسيل الماء على ثيابه فيبتل، أراد أنه قد عرق فكأن عليه ثوب مائح.
وقوله - وإن يلق كلب بين لحييه يذهب، لسعة شدقه.
وقال خداش بن زهير يصف خيلًا:
وقد سالَ المسيحُ على كُلاها ... يخالفُ دُرةً منها غرارا
المسيح العرق، وأراد بكلاها بطونها والدرة أن يسيل، والغرار أن يقل، يريد أنها تعرق تارة وتجف تارة وهذا مما يحمد لأنه لو دام عرقها لأضعفها. وقال أبو ذؤيب:
تأبى بدّرَتِها إذا ما استُغضِبت ... إلا الحميم فإنه يتبصعُ
ويروي يتبصع أي تأبى بدرة العدو إذا حركت بساق أو ضربت بسوط تنزو وتمرح ولا تعدو إلا الحميم، وهو العرق فإنه ينفجر، وقال الأصمعي قد أساء الوصف لأنه يستحب من الفرس أن لا يعجل عرقه ولا يبطئ، وقال ابن أحمر وذكر فرسًا:
هَمِع إذا رشح العذار بِلِيته وكَفت خصائله وكيف الغرقد همع
1 / 11
سائل بالعرق خصائله عضَلاته وأول ما يرشح موضع العذار والغرقد يسرع القطر - وقال الجعدي وذكر فرسًا:
فعرفَّنا هِزةً تأخذه ... فقرناه برضراضٍ رِفلِّ
فظننا أنه غالبه ... فزجرناه بيهياهِ وهلِ
كَلِبا من حسِ ما قد مسّه ... وأفانينُ فؤادٍ محتملِ
ويروي: " من حس ماء مسه " هزة نشاط، رضراض بعير كثير اللحم، رفلّ سابغ الذنب، يقول ظننا أن الفرس يستخف البعير ويغلبه حين قرن به فزجرناه لئلا يمرح. قوله كَلِبا من حسِ ما قد مسّه - أي لما وجد مس العرق أخذه شبيه بالجنون من شهوة العدو، وأفانين ضروب، ومحتمل مستخف يقال جاء فلان محتملًا إذا جاء غضبان مستخفًا.
وقال امرؤ القيس يصف فرسًا:
فعادى عَداءً بين ثورٍ ونعجةٍ ... دراكًا ولم ينضح بماءٍ فيُغسَلُ
هكذا أنشدنيه السجستاني عن الأصمعي ينضح، والناس يغلطون فيروونه يُنضَح وإنما هو مثل قول النابغة يصف خيلًا:
يَنِضحنَ نَضْحَ المزادِ الوُفرِ أتْأَقَها ... شَدّ الرواةُ بماءٍ غيرِ مشروبِ
1 / 12
شبه عرق الخيل بنضح المزاد ثم قال إلا أن هذا النضح ليس مما يشرب، والرواة المستقون، وعادي والي بين اثنين، ولم يرد بقوله ولم ينضح بماء أن العرق مكروه ولكنه أراد سرعة إدراكه إياهما وأنه عقرهما قبل أن يعرق الفرس، ومثل هذا قوله:
فأدرك لم يعرق مناط عذارهِ ... يمرُ كخُذْروفِ الوليدِ المثقبِ
قالوا والخيل إذا عرقت غُسلت بالماء وليس هذا بشيء، قول امرئ القيس مثل قول معقر بن حمار:
وكل سبوحٍ في العنان كأنها ... إذا اغتسلتْ بالماء فتخاء كاسرِ
لأن اغتسلت في هذا البيت عرقت، وأنشدنيه السجستاني عن أبي عبيدة " وكأنها إذا اغتمست بالماء فتخاء كاسر " والعرق عندهم محمود.
قال النجاشي:
كأن جنابَيه وصُفّةَ سرجِه ... من الماءِ ثوبًا مائحٍ خضلانِ
وقال أبو النجم:
كأنه في الجلِ وهو ساميٌ ... مشتملٌ جاء من الحمامِ
وقال أيضًا:
1 / 13
كأن مِسكًا غله مغلِّلُهْ ... في ناضحِ الماءِ الذي يشلشلهُ
" وغله فانغل أي دخل بعضه ببعض وغل فلان المفاوز أي دخلها، والغلل الماء بين الأشجار " وطيب رائحة العرق عندهم محمود أنشدني السجستاني عن أبي عبيدة:
إذا عرقَ المهقوعُ بالمرءِ أنعظت ... حليلتُه وازداد حرًا مِتاعها
قال أبو عبيدة أبقي الخيل المهقوع وكانوا يستحبون الهقعة وهي الدائرة التي تكون في عرض زوره حتى أراد رجل شراء فرس مهقوع فامتنع صاحبه من بيعه فقال هذا البيت فكُرهت الهقعة منذ ذاك.
قال أبو النجم وذكر فرسًا:
ساطٍ إذا ابتلّ رقيقاه ندا
رقيقاه جانبا منخره ابتلاّ من العرق، والساطي البعيد الأخذ من الأرض. وللعرق باب ألفته في كتاب الإبل فيه أبيات المعاني في عرق الإبل.
باب اضطرام العدو وحفيفه
قال امرؤ القيس:
1 / 14
رَقاقها ضرِمٌ وجريِها خذمٌ ... ولحمها زِيمٌ والبطن مقبوبُ
الرقاق الملأ المستوى ضرم أي يضطرم من الجري، وجريها خذم أي تقطعه شيئًا بعد شيء، ولحمها زيم أي متفرق في أعضائها ليس بمجتمع في مكان فتبدن.
قال جرير:
من كلِ مشترفٍ وإن بعد المدا ... ضرم الرَقاق مناقلَ الأجرالِ
مشترف عالي النظر، ضرم الرقاق أي هو كالنار المضطرمة إذا جرى في الرقاق، والأجرال الحجارة، والمناقلة أن يضع يده ورجله
1 / 15
على غير الحجارة لحسن نقلهما لحذقه.
وقال يزيد بن عمرو الحنفي:
للشأ وفيها إذا ورّعتْها حدم ... يحسبه الكِفلُ شدًا وهو تقريبُ
حدم اضطرام مثل حدمة النار، والشأ والطلق والكفل القَلِع الذي لا يثبت على سرجه أي تقريبها عنده إحضار، ورّعتها كففتها.
وقال آخر - أوس بن حجر:
نجّاكَ جيّاشٌ هزيمٌ كما ... احميت وسط الوبرِ المِيسَما
شبه حفيفه بحفيف الميسم وسط الوبر.
وقال امرؤ القيس:
على العقبِ جيّاش كأن اهتزامَه ... إذا جاش منه حميه غلى مرجلُ
يقول إذا حركته بعقبك جاش وكفاك ذاك من السوط ويقال العقب جرى بعد جري، يجيش يرتفع كما يجيش المرجل إذا غلى، واهتزامه شققه بالعدو.
وقال أبو زبيد يصف خيلًا:
كل سجحاءٍ كالقناة قَرونُ ... وطُوال القَرا هزيمُ الذكاءِ
1 / 16
القرون التي تعرق واحدة من القرن وقد فسرناه والذكاء السن يقال: قد ذكّى الفرس فهو مذك إذا أسن، وأراد بقوله هزيم الذكاء هزيم عند الذكاء، ومثل للعرب " جرى المذكيات غلاب ". ويقال غِلاء فمن قال أراد جريها كغلاء السهام، ومن قال غلاب أراد أنها تغالب الجري غلابًا وليست كالمهارة.
وقال امرؤ القيس:
وسالفةٌ كسحوق الليا ... نِ أضرمَ فيه الغَوى السُعرَ
الليان جمع لينة وهي النخلة، والسالفة صفحة العنق من مقدمها، والسحوق النخلة الطويلة وأحسب ذلك مع انجراد ويقال ثوب سَحْق وسحوق إذا انجرد من الإخلاق وقوله أضرم فيه الغوى السعر - أراد حفيفه حين جرى كحفيف النار ويقال إذًا كأن عنقها نخلة قد شذبت النار سعفها وبقيت منجردة.
وقال طفيل:
كأن على أعرافِهِ ولجامهِ ... سنا ضَرم من عرفَجٍ يتلهبُ
السنا الضوء وإذا كان له ضوء كان له حفيف، وضرم جمع ضرمة، والعرفج تسرع فيه النار لأنه ليس بجزل، يقول يحف من شدة العدو حتى كأن عرفجًا يتضرم على عنانه وعنقه، وهو كما قال الآخر:
عمل الحريق بيابس الحلفاء
1 / 17
ومثله:
جموحًا مروحًا وإحضارها ... كمعمعةِ السعفِ الموقدِ
ومثله للعجاج:
سفواءُ مرخاءُ تباري مِغلجًا ... كأنما يستضرمان العرفَجا
الغلج عدو دون الاجتهاد يقول: حفيف عدوهما مثل عجيج العرفج.
وقال رؤبة:
تكاد أيديها تهاوَى في الرهقِ ... من كَفتها شدًا كإضرامِ الحرقِ
تهاوى تهوي، والرهق التقدم يقال فرس رَهَيقَى إذا كان يتقدم الخيل، يقول تكاد أيديها تهوي من شدة ما تقدمها، والكفت السرعة.
وقال الهذلي وذكر حمارًا:
يعالج بالعطفينِ شأوًا كأنه ... حريقٌ أُشيعته الأباءة حاصدُ
يعالج بالعطفين يعني أنه يميل في شقه يتكفأ في عدوه، والشأو الشوط، أشيعته الأباءة وهو أن يضع حطبًا صغارًا مع حطب كبار حتى تشتعل النار في الصغار ويقال أشعت إشاعة وشيّعت تشييعًا، والأباءة الأجمة، حاصد يحصدها بإحراقه.
1 / 18
باب في وثبها
قال زيد الخيل:
وكل كميت كالقناة طمرة ... وكل طمرّ يحسب الغَوط حاجرًا
أي يثب الغوط وهو المطمئن من الأرض فهو عنده كالحاجر والحاجر محبس للماء لطيف.
وقال آخر:
غَشمشمٌ يغشي الشجرَ ... ببطنه يعدُ والذكرَ
يريد أنه يثب الشجر.
وقوله ببطنه يعدو الذكر خص الذكر لأنه يقال إن الإناث أقوى على الخلاء من الذكور.
وقال آخر:
وكأنما دوحُ الأراكِ لمهرهِ ... حُوّاءةٌ نبتَتْ بدارٍ قرارِ
الدوح عظام الشجر يريد أنه يطفرها كما يطفر الحواءة وهي نبت لازق بالأرض لا يرتفع.
قال:
كما تبسم للحُواءة الجملُ
يريد أنه لا يقدر على رعيها حتى يكشر فذلك تبسمه.
1 / 19
وقال امرؤ القيس:
لها وثبات كصوبِ السحابِ ... فواد خطيطٍ وواد مطِرِ
الخطيطة أرض لم تمطر بين أرضين ممطورتين ويستحب سعة شحوة الفرس فجعل شحوته وهي بين حافريه من الأرض خطيطًا وموضع الحافر غيثًا ويروي خطاء أي يخطو واديًا ويعدو واديًا.
كما قال الآخر - زهير:
يركضن ميلًا وينزعن ميلًا
وأنشدنيه السجستاني عن أبي عبيدة: فواد خطئ.
وقال أبو داود:
ضُروحُ الحماتيْنِ سامي الذراعِ ... إذا ما انتحاه خَبار وَثَبَ
الحماتان عضلتا الساقين.
يقول إذا عدا ضرح برجليه يريد سعته وانبساطه في عدوه، والخبار أرض مسترخية وفيها جِحرَة فالخيل تعثر فيها.
يقول إذا وقع في الخبار جمع قوائمه ووثب.
وقال أبو النجم:
يخرجُ ثلثاها من الإعصارِ ... قوداءَ يُجفيها عن العِثارِ
1 / 20