وكان دوشري يلبس حلة زاهية اللون من صنع فينيقية ذات أكمام واسعة حليت أطرافها بخيوط ذهبية، وجعل في قدميه خفا أنيقا من الجلد الأصفر المموه بالذهب. على حين لبست نفرتويا حلة من الكتان الشفاف عليه وشي مختلف الألوان حول الصدر والعنق، وكان خفها الأحمر اللين منقوشا بصور صفراء من رسم زنبق الماء. وأما الشيخ أمنكارع فكان ما يزال محتفظا بزيه الساذج الذي عرفه منذ شبابه، وهو ثوب طويل يربطه حول وسطه حتى يصل إلى ركبتيه، ويلقي فضلته على كتفيه حتى يغطي ظهره وصدره، ولم يجعل في قدميه إلا نعلا من الجلد مربوطة حول قدمه بسير دقيق.
وساروا في الشارع الأعظم المؤدي إلى معبد الملك، وكان أمنكارع يسير الهوينى متأملا تماثيل بنات آوى التي على الجانبين، ويقف بين حين وآخر ليتأمل أحد التماثيل ويهز رأسه في صمت ثم يستأنف سيره. وسبقه دوشري مع نفرتويا حتى بلغا المعبد قبله، ووقفا حينا يتأملان صرحه الرائع والمسلتين الشاهقتين اللتين تحفان به عند المدخل، ثم ذهبا إلى التمثالين الجديدين الهائلين - وقد أقيما لفرعون أمنحتب العظيم الثالث منذ سنتين، ولم يسبق لملك أن اتخذ تمثالين مثلهما في العلو والضخامة. وخشع قلباهما عندما رفعا رأسيهما إلى أعلى التمثالين ليتأملا وجهيهما الصارمين وهما يشرفان على النيل من أقصى السهل كأنهما عملاقان جباران. وقال دوشري لنفرتويا في صوت متهدج: وددت لو ذهب سيدي المبجل أمنكارع إلى بلادي ليصنع تمثالا مثل هذا لوالدي.
فقالت نفرتويا: إنه لا يرفض لك أمرا يا دوشري.
فتبسم الفتى قائلا: أتذهبين معه يا نفرتويا؟
فتبسمت نفرتويا قائلة: لعل أبي يفضل أن يصنعه ها هنا.
فقال دوشري: وكيف يصنعه هنا وهو لم ير أبي؟ إنني أتمنى لو كان لملك المتاني تمثال مثل هذا ليخلد ذكره، إنني أرى ذلك التمثال وكأنني أنظر إلى وجه سيدي الملك المقدس وهو يشرف علينا من علو سبعين قدما.
وكان أمنكارع قد بلغ موضع الشابين ووقف ينظر إلى التمثالين في تأثر ظاهر، وقال: لقد تفنى الأجساد وإن بالغنا في تحنيطها، ولكن خلجات نفوسنا تبقى مع الفن إلى الأبد في هذه الصخور الصماء.
وعاد ينظر إلى التمثالين حينا، ثم قال: وددت لو كان هذان التمثالان واقفين وليسا قاعدين هكذا يا دوشري. إنهما في جلستهما هذه يكذبان النظر ولا يقعان في القلب كما ينبغي لهما. لقد رسمت تصميما لهما واقفين، ولكن الملك المقدس اختار تصميم هؤلاء الذين يملئون الأرض ادعاء ويظنون الفخامة عنوان المجد.
فقال دوشري في صوت متردد: كنت أقول لنفرتويا إنني أتمنى لو صنعت لأبي مثل هذا التمثال أيها السيد المبجل.
فهز أمنكارع رأسه قائلا بصوت هامس: لو كنت شابا!
Page inconnue