40

فترك حجر كتفها وارتد إلى الوراء قليلا، وقهقه ضحكة مخيفة وقال: انظري يا هند إلى شفتي، أليستا كشفتي البعير إذا أكل المرار؟ نعم انظري إليهما، فقد بالغت في أكل المرار، وهاتان شفتاي مقلصتان أيتها الخائنة!

فأجابت هند وهي تستجمع قوة جنانها: ما حديثك هذا الذي تتحدث به؟ أهكذا تستقبلني بعد نصرك؟ لقد كان بودي لو قتلت قبل أن أقع في يدي هذا اللئيم.

فأعاد حجر ضحكته المخيفة وقال: وما الأفعى التي كنت لم تريها؟ لقد شممت ريحها في العس، ولكنك أنكرت رؤيتها. هل علم بهذا الحديث سواك؟ أكاذب من يروي هذه القصة عنك؟ ألم تخبري بها زيادا وأنت بين ذراعيه؟ لقد كان سدوس وراء الخيمة يسمعك إذ تحدثينه ويراك وأنت تداعبينه.

وكان غضبه قد ملكه عند ذلك، فدفعها في صدرها دفعة ترنحت لها وخرت باكية عند قدميه، وقالت بين دموعها: ذل الأسر أذهلني!

فانتفض حجر عند ذلك وخرج مسرعا من الخباء لا يرى شيئا أمام عينيه. ثم نادى عبدين وأمرهما أن يعدا له فرسين من أشد خيله عدوا.

ولما أحكم رباط هند في ذيل الفرسين أهوى عليهما بسوطه حانقا، فوثبا وثبة تطايرت لها الحصباء، وانطلقا يعدوان على الوادي الوعر ومن ورائهما جثة تتخبط فوق الصخور حتى غابا عن عينيه، ووقف عند ذلك شاخصا ببصره إلى الفضاء وقد أمسك بأعلى عمود خيمته ومال برأسه على ذراعه الممدودة، وقال لسدوس يحدثه في صوت متهدج حزين: كانت يا سدوس إذا نظرت إلي كأن الفجر يتنفس في الظلماء، وإذا أقبلت كأن نفحات الصبا تهب في أعقاب القطر، وإذا تنسمت ريحها كأن الربيع يفتح أكمام الخزامى والعرار، وإذا تحدثت إلي كأن الطير يغني عند الأصيل، وإذا ضممتها إلى صدري ... أف يا سدوس، ابعد عني، فإني أكاد أحترق!

ولوى عند ذلك وجهه، ومسح بيديه دمعة فرت من عينيه، ثم تهالك على جذع نخلة إلى جانبه، وقال يحدث نفسه:

إن من غره النساء بشيء

بعد هند لجاهل مغرور

حلوة العين والحديث ومر

Page inconnue